موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأحد، ١٤ مارس / آذار ٢٠٢١
الاستهانة بأوجاع الآخرين.. قسوة في المشاعر أم جهل بالتصرف؟

ربى الرياحي - الغد :

 

خلف كل باب حكاية صامتة تئن ألما وتحسرا داخل تفاصيلها، هناك قلوب تحترق وجعا لكونها تفتقد لشيء ما في حياتها. الشعور الدائم بالحرمان هو خيط يربط أبطال تلك الحكايات ببعضهم بعضا ويبقيهم رهائن لجراح تأبى أن تندمل، ورغم إيمانهم الكبير بأن الحياة لا يمكن أن تكون كاملة أبدا إلا أن ذلك النقص في أي جانب من الجوانب يتعبهم، وربما يخدش أرواحهم وينتزع منهم طمأنينتهم لبعض الوقت.

 

هم ومن دون أن يشعروا يتساءلون عن سبب حرمانهم من نعم معينة يرون كل سعادتهم فيها، لماذا هم دون غيرهم؟ هذا السؤال يتكرر كلما حاول البعض لمس تلك الجراح والضغط عليها دون مبالاة إما لأنهم قساة في مشاعرهم أو لأنهم يجهلون حجم الوجع الذي يتسببون به عندما يقررون الحديث عما لديهم من نعم أمام أشخاص حرموا منها.

 

الأربعينية بسمة حمد تلوم كل من يستهين بوجع الناس، تقول إن بيننا أشخاص يفتقدون للدفء في كلماتهم وأحاديثهم كلها تدور حول ما لديهم من نعم، وكأنهم حصلوا عليها بجدارتهم. مشيرة إلى أن عدم مبالاتهم بأن الشخص الذي يتحدثون إليه محروم يجعل كلماتهم ثقيلة كالحجارة تتساقط محدثة ألما بالروح يتأذى منها كل من ذاق مرارة الحرمان وسرقت منه الحياة أشياء كان يتمنى أن يعيشها ويتمتع بتفاصيلها.

 

وتبين أنها ما تزال تذكر موقفا تعتبره قاسيا جدا، وخاليا من الإنسانية، تقول إن إحدى جاراتها لم يرزقها الله نعمة الإنجاب رغم محاولاتها الكثيرة في أن تصبح أما واحتياجها الشديد لذلك، هي تحب الأطفال كثيرا، لذا فإن افتقادها لطفل في حياتها كان غصة تشعرها بالألم كلما رأت أطفالا برفقة والدتهم. وتشرح “وكعادتهن في كل صباح اجتمعن ليحتسين القهوة معا، فبدأت إحدى الجارات بالتحدث عن إحساس الأمومة وكم هو جميل ودافئ ومن دونه الأنثى لا تكتمل، كل تلك الكلمات المؤلمة كان لها وقع كبير على نفسية الجارة التي في تلك اللحظة امتلأت عيناها بالدموع وأحست بوجع يخنقها، متسائلة بحسرة بأي حق يستسهل البعض كسر قلوب أضناها الحرمان؟ هل القسوة أم الجهل ما يدفعهم لأن ينبشوا في الجروح دون رحمة؟”.

 

العشرينية آية قاسم هي أيضا تصدمها الشخصيات التي تتجاهل أوجاع الناس وتتصيد أي فرصة لتذكيرهم بما يؤلمهم ويؤذيهم سواء كان ذلك بقصد أو دون قصد، تقول هي شخصيا لا تستطيع أن تتقبل وجود أشخاص في حياتها يحترفون أذية الناس إما بكلماتهم القاسية أو حتى بتصرفاتهم. وتؤكد أنها اضطرت لقطع علاقتها بإحدى صديقاتها، لأنها كثيرا ما تتفاخر بأموالها، وبأنها من عائلة غنية جدا، فمواضيعها كلها تدور حول الأمور المادية وأنواع الماركات والملابس باهظة الثمن غير مكترثة بمشاعر أي أحد، وبأن هناك أشخاصا لا يجدون ما يأكلونه، الفقر نال منهم وحرمهم أبسط مقومات الحياة حتى أحلامهم ليست ملكهم.

 

آية تجد أن من الإنسانية أن نكون جابرين لخواطر بعضنا بعضا ننتقي كلماتنا بدقة حتى لا تجرح أحدا محدثة شروخا وندوبا تبقى آثارها في الروح مدى العمر.

 

وتقول المتخصصة النفسية التربوية دينا هلسة، إن الكثيرين يفكرون في حالات الإساءة، كيف يمكن لإنسان أن يتسبب في مثل هذا الألم والمعاناة للآخرين؟ لماذا يفعل شخص ما مثل هذا الشيء الرهيب؟ يصعب على معظمنا استيعاب أو شرح أو فهم كيفية حدوث بعض هذه المواقف.

 

وتضيف “لسوء الحظ، يحدث هذا كثيرًا. لكن في كثير من الحالات، نجد أشخاصًا يستمتعون بمصيبة الآخرين أو حتى يشمتون بها. الشماتة هي المتعة أو التسلية كرد فعل على المحن وألم وإذلال الآخرين. هذا شيء يختبره معظم الناس من وقت لآخر؛ يحدث هذا عادة عندما يتألم شخص لا نحبه أو يتعرض للفشل. وأبسط مثال على ذلك هو شعور الطالب سرًا بالسعادة عندما يفشل أحد منافسيه في المدرسة في الاختبار”. وتتابع “من المرجح أن يستخدم الناس الشماتة عندما يرون أن شخصًا آخر يمثل تهديدًا لهم أو عندما يكرهون شخصًا ما.

 

يعاني الأشخاص الذين يعانون من تدني احترام الذات أحيانًا من الشماتة، وقد يحدث هذا حتى لو كانوا يهتمون بهذا الشخص. يميل أفراد الأسرة إلى المرور بهذا الأمر، عندما يكون لدى المرء احترام منخفض لذاته، فإن رؤية أفراد الأسرة الآخرين في حدث مؤسف قد يمنحهم دفعة زائفة في التقدير”، وفق هلسة. وتشرح “بالنسبة لشخص يعاني من تدني احترام الذات، فإن الشخص الأكثر نجاحًا يشكل تهديدًا لشعوره بالذات، ورؤية هذا الشخص يفشل يمكن أن تكون مصدرًا للراحة، لأنه يرى تحسنًا نسبيًا في تقديره لذاته”.

 

ويعتقد أيضًا أن هناك ثلاث قوى دافعة وراء الشماتة: العدوان والتنافس والعدالة الاجتماعية، وترتبط الشماتة القائمة على التنافس بالمنافسة الشخصية، وتنشأ من رغبة الأشخاص في التميز والتفوق على أقرانهم، وتأتي الشماتة القائمة على العدالة من رؤية أن السلوك غير الأخلاقي يعاقب عليه، وأنه مرتبط برؤية شخص “سيئ” يتعرض للأذى كوسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

 

وتضيف “الشماتة القائمة على العدوان تتعلق في المقام الأول بهوية المجموعة. تأتي فرحة مراقبة معاناة الآخرين من شعور المراقب بأن فشل الآخر يمثل تحسينًا أو تأكيدًا لوضع مجموعتهم فيما يتعلق بالمجموعات الخارجية. على سبيل المثال. هذا النوع من الشماتة هو النوع الذي قد تشعر به عندما يخسر منافس فريقك المفضل، على الرغم من أن فريقك حتى لا يشارك”.