موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يؤلمني أشد الألم أن أجد لزامًا عليّ أن أكتب عن الأردنيين المسيحيين، ولكن عندما أرى من يتعامل مع الأردنيين المسيحيين بصورة تتنافى مع تاريخهم وعلاقاتهم الاجتماعية وقيمهم وارتباطاتهم العشائرية والمناطقية، أو يستغلون كل مناسبة لزرع بذور الفتنة، أجد نفسي مضطرًا للتذكير بالحقائق التالية:
أولاً: يصرّ الأردنيون المسيحيون على تسميتهم بـ"الأردنيين المسيحيين" وليس بـ"المسيحيين الأردنيين" فهم أولاً وأخيرًا أردنيون ولدوا على العقيدة المسيحية.
ثانيًا: كان الأردنيون المسيحيون منذ تأسيس الدولة عام 1921 وحتى يومنا هذا وسيبقون طرفًا رئيسًا من أطراف العقد الاجتماعي بين الهاشميين والأردنيين.
ثالثًا: الأردني المسيحي ينتمي أيضًا إلى المنطقة التي يعيش فيها فهو أردني من أبناء البلقاء أو الكرك أو مأدبا أو جرش... إلخ
رابعًا: الأردني المسيحي ينتمي إلى عائلته وعشيرته، ويلتزم بتحالفات عشيرته مع عشائر منطقته. وهذه التحالفات لمن لا يعلم هي تحالفات عشائر مسيحية مع عشائر مسلمة، وليست تحالفات عشائر مسيحية مسيحية أو مسلمة مسلمة.
خامسًا: الأردني المسيحي يخضع لجميع القوانين والتشريعات المعمول بها في الدولة الأردنية، وله جميع الحقوق وعليه كافة الواجبات المنصوص عليها في الدستور. فهو مواطن كامل المواطنة، ولا يعتبر نفسه أقلية إلا إذا كان الأردني في وطنه الأردن يعتبر أقلية.
سادسًا: المحاكم الكنسية في الأردن تطبق أحكام القوانين الأردنية وقانون الأحوال الشخصية باستثناء ما ورد عليه نصًّا واضحًا في الكتاب المقدّس يتعارض مع هذه الأحكام كما في حالات الطلاق.
سابعًا: القيم الاجتماعية التي يلتزم بها الأردني المسيحي وعاداته هي ذاتها قيم الأردني المسلم وعاداته.
ثامنًا: الأردني المسيحي عربي شرقي يفتخر بعروبته وشرقيته، وكونه يدين بالمسيحية لا يعني أنه أصبح غربيًا. وانتمائه لوطنه متين متانة انتماء الأردني المسلم لوطنه، ويذكر التاريخ أن العربي المسيحي تعرض لاضطهاد الفرنجة أكثر من الاضطهاد الذي تعرض له العربي المسلم. وحارب العربي المسيحي الفرنجة إلى جانب أبناء وطنه العرب المسلمين.
تاسعًا: الأردني المسيحي، كما العربي المسيحي، وقف إلى جانب اخوته العرب المسلمين في معاركهم ضد الروم والفرس لأنه كان يرى فيهم غرباء ومستعمرين للأرض العربية وواجبه التخلص من هذا الاستعمار. وهذا كان موقف الأردني المسيحي عبر تاريخه الطويل، وهو اليوم كذلك، وسيبقى إلى الأبد.
لن أخوض في تاريخ العرب المسيحيين والأردنيين منهم ولن أتحدث عن جذورهم الممتدة في هذه الأرض منذ أكثر من ألفي عام، ولا عن دورهم الثقافي والأدبي والتراثي على مدى الأجيال، ولا عن دورهم في الحفاظ على اللغة العربية وإرثها الحضاري، ولا عن دورهم في حركات التحرير العربية ورسالتهم القومية. فهذا ليس ما ابتغيه من هذه المقالة.
ولكني أقول بكل صدق وأمانة وبصوت مرتفع إن من يعتقد أنه يستطيع اختزال الأردني المسيحي إلى أقلية يتعامل معها بعيدًا عن الحقائق التي ذكرت فهو واهم. ومن يظن أنه يستطيع أن ينفي عن الأردني المسيحي دوره الوطني وعمقه العائلي والعشائري والمناطقي فهو واهم أيضًا. ومن يرى أنه يستطيع أن يثير الفتنة فهو واهم أيضًا.
هكذا نحن، الأردنيين المسيحيين، وهكذا سنبقى أردنيين ندين بالمسيحية، حضارتنا عربية إسلامية، وقيمنا وعاداتنا تنبع من حضارتنا وديننا. نعيش في بلدنا الأردن الذي نفتديه بدمائنا في ظل قيادة هاشمية صاحبة الوصاية على المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس وحماة التعددية الدينية والعرقية في الأردن. وقيادة هي أكثر المدافعين عن الوجود المسيحي في الأردن والمشرق العربي.
أما القلة الذين يستغلون كل مناسبة لزرع بذور الفتنة ونخر وحدتنا الوطنية فأقول لهم: الأردنيون مسيحيون ومسلمون أبناء وطن واحد يؤمنون بإله واحد ويفخرون بعاداتهم وتراثهم ودينهم، يرفضون استخدام الدين خدمة لأجندات خاصة ضيقة لا يستفيد منها إلا أعداء الدين والأمة.
سيظل التزام الأردني المسيحي بوطنه الأردن التزامًا ثابتًا وأصيلاً، لا يبدله بأي وطن آخر مهما كانت المغريات، ولا تهزه محاولات زرع الفتنة أو التشكيك وسيظل انتماؤه للأردن موضع افتخاره وهدف جهاده واجتهاده.