موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٨ مارس / آذار ٢٠٢١
أشخين ديمرجيان تكتب: ذكرى دخول السيّد المسيح إلى أورشالم

أشخين ديمرجيان :

 

قبل الذهاب إلى المدينة المقدّسة "أورشالم"، طاف السيّد المسيح متنقّلاً في كلّ قرى الجليل ومدنه، وعلّم في المجامع وكرز في الساحات، وشفى المرضى والبرص والعميان والمشلولين والصمّ والبكم وأقام بعض الموتى وطرد الأرواح الشرّيرة، ودعا الناس إلى التوبة وحذّرهم من يوم الدينونة. وبعد أن أتمّ خدمته هناك قصد ومضى إلى أورشالم، وابتدأ مسيرته مشيًا على الأقدام مع تلاميذه عبر وادي الأردن الأخضر وأريحا وصحراء اليهوديّة، ووصل في اليوم الثالث من رحلته الى أورشالم.  ولدى مروره في أريحا شفى الأعمى "برتيماوس"، كما ورد في (لوقا 18 : 35 وتابع).

 

وفي بيت عنيا المجاورة لجبل الزيتون أقام لعازر الميت، الذي توفّي ودُفن قبل أربعة أيام من وصول السيّد المسيح (يوحنّا 11: 1 وتابع). وصل نبأ قيامة لعازر الى سكان أورشالم عن طريق الجموع التي شهدَت المعجزة، فتدفّق الناس بأعداد كبيرة إلى بيت عنيا، لمشاهدة لعازر الحي بعد أن كان جثة نتنة في قبره. وتعجّبوا واندهشوا من الآيات التي صنعها السيّد المسيح، وازدادت سمعته وشعبيّته.

 

أمّا ردّة الفعل لدى عظماء الكهنة والفريسيين حينما وصلهم الخبر عن قيامة لعازر فكانت مختلفة تمامًا. وفي ذلك اليوم عقدوا مجلسًا وعزموا على قتل السيّد المسيح الذي مضى إلى مدينة افرام وأقام فيها مع تلاميذه لبعض الوقت.  وكان قد اقترب فصح اليهود، وكان عظماء الكهنة والفريسيون قد أمروا بأنْ يُخبرعن مكان إقامة السيّد المسيح كلّ مَن يعلم ذلك، لكي يمسكوه. (يوحنّا 11 : 35 وت ).

 

لقد خاف رؤساء الكهنة من عظمة سلطان السيّد المسيح ودبّ الحسد في قلوبهم، وبالتالي خافوا أن يتبعه جميع اليهود، ممّا يفقدهم مكانتهم ويمسّ كرامتهم ويلغي امتيازاتهم لدى الشعب. وعزم رؤساء الكهنة بالإجماع على قتل لعازر أيضًا، لأنّ كثيرًا من اليهود كانوا يتركونهم ويتبعون المسيح بسبب قيامة لعازر من الموت (يوحنا 11: 46 وتابع ؛ 12: 10).

 

حينما اقتربت ساعة الصفر، "والمكتوب ليس منه مهروب" كما يُقال بالعامّيّة، لم يهرب السيّد المسيح من مواجهة الخطر الذي ينتظره في المدينة المقدسة، بل أكمل طريقه بشجاعة، وأتمّ الخطة الالهيّة المرسومة لخلاص البشر، وتتبعها فيما بعد قيامته المجيدة: رجاء جميع الأمم والشعوب في الحياة الأبديّة.

 

لدى انتشار خبر قدومه إلى أُورشالم، فرش أهالي المدينة ثيابهم وأغصان الزيتون وسعف النخل على الطريق أمامه، وخرجوا لاستقباله على أبواب المدينة المقدّسة وهم يهتفون: "هوشعنا (أي خلّصنا) هوشعنا لابن داود، تبارَك الآتي باسم الربّ! هوشعنا في العلى!". ولمّا دخل أورشالم ضجّت المدينة كلّها وسألت: مَن هذا؟ فأجابت الجموع: هذا النبي يسوع من ناصرة الجليل" (متّى 21 : 9-11). وترمز سعف النخيل إلى النصر لأنّهم استقبلوه كمنتصر في الحرب. وإحياءً لهذه الذكرى يحتفل المؤمنون يوم أحد الشعانين بمسيرات ومواكب تحمل أغصان النخيل. وقد أظهر الناس هذه الحفاوة لأنّهم شاهدوا وسمعوا بإحياء المسيح للعازر الميت، ولمعجزات كثيرة صنعها قبل قيامة لعازر وبعدها.

 

أمّا السيد المسيح فلمّا اقترب من المدينة بكى عليها، وعمّا سيأتي عليها من تدمير لن يترك فيها حجر على حجر لانها لم تعرف وقت افتقاد الله لها. (لوقا19: 43-44). افتقد الله أورشالم بأن أرسل إليها السيّد المسيح، فلم يؤمن به معظم سكانها... ولم تلاحظ الجماهير المرافقة له بكاءه ودموعه لشدّة انفعالها وفرحتها بالمعجزات التي صنعها. وتعجّب الحجّاج الغرباء من هذا الموكب الحافل. أمّا السيّد المسيح فقد اشتمّ رائحة خيانة رؤساء الكهنة والفريسيين ورياءهم وظلمهم وقساوة قلوبهم.

 

وحينما دخل الهيكل أخذ يطرد الباعة والتجار، وقلب موائد الصيارفة. وعندما سُئل عن سبب تصرّفه أجاب :"مكتوب، سيكون بيتي بيت صلاة، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" (لوقا 19: 45 متى 21: 13). من الآيات التي صنعها أدرك البعض أنّه المسيح الآتي حسب سفر أشعيا: "حينئذ تتفتّح عيون العميان، وآذان الصمّ تتفتّح، وحينئذٍ يقفز الأعرج كالأيّل، ويهتف لسان الأبكم..." ( أشعيا 35: 5-6).

 

كان دخول السيّد المسيح الى أورشالم  يختلف عن فهم البشر ومنطقهم وأسلوبهم في التعامل مع الملوكيّة السياسيّة الزمنيّة التي يصحبها الخيل والجيوش والسيوف. وكان دخوله إلى أورشالم منتصرًا تتمّة للنبوءة في العهد القديم من الكتاب المقدّس في (زكريا 9: 9 و10)، وتتمّة لنبوءات سفر صموئيل الثاني وأشعيا وملاخي: "وسُرعانَ ما يأتي إلى هيكله السيّد الذي تطلبونه ، وملاك العهد الذين تُسرّون به" (ملاخي1:3).

 

تلك الجموع التي رحّبت بالسيّد المسيح تألّبت عليه وتآمرت ضدّه بعد أيّام معدودة، بتحريض من رؤساء الكهنة، ضاربين عرض الحائط المعجزات التي رأوها بأمّ العين والبيّنات التي أدركوها، لأنّ "الإنسان من النسيان". ولم يفهم التلاميذ معنى هذه الأحداث واستقبال الناس وإكرامهم للسيّد المسيح، ولكنَّهم تذكَّروها بعد قيامته المجيدة من بين الأموات، وفهموا أنَّ الآية التي هتف بها الشعب هي إحدى الأيات النبويّة التي تُخبر عنه.

 

خاتمة

 

نلتمس من ربّ القوّات أن يحرّرنا من جميع عبوديّات العصر الحديث. الدعاء يقوّي المؤمن فلا يخاف المستقبل بل يترك كلّ شيء في رعايته تعالى. ومع شكري الجزيل لهذا المنبر الأغرّ، تهانئي للمحتفلين بأحد الشعانين. وكلّ عام وأنتم بخير!