موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
مسؤولية السلطة، أن تتقوَّى بهيبتها وتتزين بوقارها وتمارس حضورها وتعنى برعاياها وتقدم لهم خدمة الحماية.
رأس إهتمامات الإعلام كسلطة هو توفير المعرفة!
فالسلطة الرابعة، في توصيفات وظائفها ومهامها الميدانية، تتحدد مفاهيمها كسلوكاتٍ تجريبية ونماذج إختبارية بالناس، قبل أن تتركز قواعدها كسلطة ذات قدرة تأثيرية وسطوة إخبارية وقوة تأثيرية ترتقي بالمجتمع من رتبة المتلقي إلى مرتبة ألفاهم والمتفهم، في بيئة يجب أن تسودها حرية التفكير والتعبير والإنصات و القدرة على الاتعاظ من الأحداث وتداعياتها.
من تحديات سلطة الرأي، بمفهومها الاستقلالي ومبادئها السيادية، أنها ذات شخصية معنوية وحضور فاعل، وتتعاون مع السلطات الشريكة التي تنتظم العمل في المجتمعات السياسية، لتشكل حالة من الوعي والمسؤولية التكاملية يرتاح إليها المجتمع في وضعيته الساعية إلى تحقيق تنمية الديمقراطية وتعزيز دورها في تحصين المجتمع، انطلاقاً من أن هيبة السلطة، أي سلطة، أن تمارس استقلاليتها ودورها بمسؤولية، فلا تبايع ولا تهادن ولا تراهن، بل تحاور وتتشاور وتمارس دورها وفق ما هو محدد لها دستوريا.
والسلطة الإعلامية ذات الهيبة، ليس لها أن تطلق أحكامًا وتنظِّر بالعدالة وترسم خرائط التعبير وتقيد الممارسات، بل أن دورها ينحصر في عمليات الرصد والمتابعة والتوزان وتقييم الأحداث وتحليلها وتقديم خدمة معرفية للناس تراعي معايير النزاهة وتلتزم شرع ومبادئ الأخلاق المهنية وتتصف بالجودة الاخبارية العالية. وهذا ما يساعد الإعلام كسلطة، على القيام بدور فاعل لبناء عالم أفضل وأكثر شراكة بين السلطات والمكونات المجتمعية، ملتزمًا حدود الإبلاغية الخبرية وصولاً إلى التقيد بأهداف الرسولية السلامية وما تستوجبه من مهارات التنوير والهَدي والتقصي، مصحوبة بقدرات التحقق والتعريف والتثقيف وإشراك الجمهور بالمعرفة الواجب أن تصل إليه، وبتلك التي تعتبر ببعض وجوهها من المعارف الممتازة والمصاغة بأسلوب أرستقراطي مهيب، بعيدًا عن الادعائية والإعتدائية ونرجسية الإستئثار بالمعرفة والتعريف، الذي هو أبعد من الإخبار وأعمق الإبلاغ.
ما تعانيه بعض المجتمعات النامية في بناء شخصيتها وتركيز سلطاتها، هو عدم قدرتها على فصل التداخل بين السلطات الدستورية والمعنوية، بمفهومها الحضاري، وهذا ما يرخي على الإعلام مسؤولية احترام حدود السلطة اللصيقة به، وألا يتجاوز إلى حدود السلطات الأخرى، بداعي الرقيب على الرقيب، وألا يعمل لفرض سطوته الإبتزازية و يشرع برسم الخطوط الوهمية الحمراء، كمدخل لفرض سطوته وإقامة إمارته داخل الكيان العام للبلد.
إن رأس شروط المعرفة الفعالة في اعتماد نظام الجودة الإعلامية، هو الالتزام بمبدأ فصل السلطات عن قناعة وبالممارسة، وعدم إدعائية أنه سلطة السلطات أو أنه (سلطة رأي عام)، يملكها (رأي خاص)، هو المؤسسة الإعلامية ومَنْ يحركها ويقف خلف مالكها والقابضين على زمام القيادة فيها.
وتتجلَّى شعبوية بعض الاعلام بإحتمائه بالحرص على مصالح الشعب وإدعائه حماية حقوقه والعمل لمصلحته، حتى ولوْ إتبع رتب الإعلام التدرُّجي والتجريبي والإختباري، بعيدًا عَنْ مَقامَاتِ الوقار والهيبة، الواجب حضورهما على قاعدة الحفاظ على الإتزان والتوازن، بعيدًا عن الغَرَضية التسليعية بدلالتها السلبية، على حساب الهدفية النفعية بوظيفتها الإيجابية.
إن موجب الكلام عن وقار السلطة الاعلامية وهيبتها، هو تهاون بعض الإعلام بالمسؤولية المعطاة له، وعدم التزامه بمعايير الشفافية والنزاهة، إضافة إلى جنوحه لممارسة بعض أشكال الوصاية على بعض المسؤولين، ولو من دون علمهم في أكثر الأحيان. وليس هذا الخطأ الخطيئة إلا تعدٍ من سلطة على سلطات أخرى لها كيانيتها وحدود ممارستها للسلطة المناطة بها. غير أن المعصية المهنية التي تشيع في أشكال فنون التواصل، هي في طرح سؤالٍ مفصلي حول مركزية المرجعية الإعلامية، التي يجب أن تحمي المستعلم، وتحرص على جودة سلطة الإعلام و نفعياته المعرفية؟ ومن أعطى صفة ذاك الإعلام الصلاحية في التعرّض للكرامات واتخاذ دور الإدعاء العام وإطلاق الأحكام؟ ومن خوله القيام بدور الشرطي والوالي؟
(النهار اللبنانية)