موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٣٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٥

هل قصّرنا في عامنا الحالي ولم نقم بواجبنا؟

القس سامر عازر

القس سامر عازر

القس سامر عازر :

 

ونحن على أعتاب العام الجديد ٢٠٢٦، يفرض هذا السؤال نفسه بجدّية روحية ولاهوتية عميقة: هل قمنا فعلًا بما أُوكل إلينا؟ وهل عشنا العام المنصرم بوعي الدعوة والمسؤولية، أم تركناه ينقضي مثقلاً بالتقصير والديون الروحية والإنسانية؟

 

هذا السؤال ليس أخلاقيًا فحسب، بل هو سؤال لاهوتي بامتياز، لأن الإيمان المسيحي لا يفصل بين العقيدة والسلوك، ولا بين الإيمان والعمل. فالله، خالق الكون وسيد التاريخ، لم يخلق الإنسان عبثًا، بل منحه دورًا ومكانة ومنصبًا ومسؤولية. وكل موهبة أُعطيت، وكل فرصة وُضعت بين أيدينا، ليست ملكًا شخصيًا نتصرف بها كيفما نشاء، بل أمانة سنُسأل عنها. فالتقصير ليس أمرًا عابرًا، بل حسابه حاضر في ميزان العدالة الإلهية.

 

واجبنا الأول هو تجاه الله، ليس فقط في العبادة والطقوس، بل في الأمانة للدعوة التي دعانا إليها: أن نكون نورًا في عالم يزداد ظلمة، وملحًا في أرض يهددها الفساد. ومن هذا الواجب الإلهي تنبع واجباتنا المجتمعية والوطنية والإنسانية، لأن الإيمان الحقيقي لا يعيش في الأبراج العاجية، بل يتجسد في خدمة الإنسان، وصون الكرامة، وبناء العدل، وحمل همّ الوطن والضعفاء والمهمشين.

 

في هذا السياق، تضعنا كلمات الإنجيل في لوقا ١٢: ٣٥–٤٠ أمام مرآة صادقة لا تقبل التجميل: "لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسرجكم موقدة… فكونوا أنتم أيضًا مستعدين، لأنه في ساعة لا تظنون يأتي ابن الإنسان". إنها دعوة إلى السهر الروحي، لا إلى انتظار سلبي، بل إلى جهوزية دائمة، إلى حياة متقدة بالمسؤولية، حيث الإيمان ليس حالة موسمية، بل أسلوب حياة. السراج الموقد هو القلب الحي، والحقو الممنطقة هي الإرادة المستعدة للعمل والتعب والبذل.

 

غير أن واقعنا، وبصراحة مؤلمة، يكشف أننا كثيرًا ما ننسى أو نتناسى دورنا وواجبنا. تنزلق حياتنا بسهولة إلى أسر المادة، وإغراء الشهوة، وراحة الكسل، فنؤجل ما يجب فعله، ونبرر تقصيرنا، ونعيش وكأن الزمن بلا نهاية. لكن الإنجيل يوقظنا من هذا الوهم: الزمن عطية، لكنه أيضًا مسؤولية، وكل يوم يمرّ هو صفحة تُكتب في سجل أمانتنا أو إهمالنا.

 

ومع ذلك، لا يتركنا الرجاء المسيحي في دائرة الإدانة، بل يفتح أمامنا أفق التوبة والاستعداد. «طوبى لأولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم يجدهم ساهرين». الطوبى ليست لمن عاش بلا تعب، بل لمن سهر وسعى وتعب واستعد وتأهل. الطوبى لمن اختار الطريق الأصعب، طريق الأمانة، لأن نهايته الفوز العظيم.

 

لذلك، ونحن ندخل العام الجديد، لا يليق بنا أن نحمله معنا مثقلاً بديوننا نحو الآخرين: ديون المحبة المؤجلة، والمصالحة المؤجلة، والحق الذي لم نرده، والكلمة التي بخلنا بها، والخدمة التي تهربنا منها. فالدخول إلى عام جديد بضمير مثقل هو إنذار بأننا لم نتعلم بعد معنى السهر والجهوزية.

 

ليكن عام ٢٠٢٦ عامًا نغلق فيه حساباتنا العالقة، ونصالح فيه الله والإنسان والذات، ونشدّ فيه أحقاءنا من جديد، ونوقد سروجنا بإيمان عامل بالمحبة. عندها فقط، لا نخاف مجيء السيد، بل ننتظره بفرح، لأننا لم نقصّر، بل اجتهدنا أن نكون أمناء على ما اؤتُمنا عليه، إلى أن تحين ساعة لقائنا بالآب السماوي.