موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٣ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢١

مصباح عنايا لم ينطفئ!

الخوري جوزف سلوم - لبنان

الخوري جوزف سلوم - لبنان

الخوري جوزف سلّوم :

 

لم يولد ابن بقاعكفرا شربل مخلوف ولم يعش لحقبة من الزمن والعصور، فهو الذي انجذب إلى جمالات سرّ المسيح، واختبر عمق الإنجيل، أعدّ كل شيء خسرانًا ليربح المسيح، ولم ينطفئ بعد مصباح عنايا منذ مساء عيد الميلاد عشيّة وفاته في العام 1898، إذ أصبح شربل الناسك يسكن في كل العصور، في زمن الله، في أبديّته.

 

وارتفع شربل كالأرز في لبنان، وأريج قداسته يعبق في حنايا الكون، سكناه في البيوت والكنائس والمزارات، وفي قلوب كل الأجيال، وفي تضرّعات كل المتألمين…

 

فعلى إيقاعات خطوات قوافل المؤمنين والمؤمنات، جميع الذين يؤمّون ضريح القديس شربل، يتعاظم إيماننا، وعلى همسات تمتمات صلوات الخاشعين أمام ضريحه، نعاين انفتاح السماوات، وبركات الله وسخاء نعمه ومعجزاته.

 

فمن هو هذا الراهب القديس الصامت الناسك، الملتحف بنور السماء ومركعه عنايا؟

 

من هو هذا الحبيس الذي أصبح حديث الناس وسفير وطن الرسالة؟

 

في كل بلد من أصقاع العالم، عندما يُذكر لبنان، يُذكر بلد القديس شربل.

 

منذ مولده، اتخذ اسم شفيعه يوسف 23 سنة، واتخذ اسم شربل وعاش جزءًا من تكرّسه في دير عنايا 23 سنة، وصار معروفًا بالحبيس، اسمه الجديد، 23 سنة.

 

لم يكن شربل مصلحًا كيوحنا الصليب وتريزيا الأفيليّة، فنموذجيّة تكرّسه أصلحت الرهبنة، وجذبت الدعوات إليها.

 

لم يكن ناسك عنايا معلّمًا في الكنيسة كالقديسين جيروم وتوما وغريغوريوس ولا واعظًا يبهر الناس بكلماته، بل كان نهجه مدرسة وحياته أبهى عظة.

 

لم يكن قديس لبنان رائدًا للعمل مع الشبيبة، مثل يوحنا بوسكو ويوحنا بولس الثاني، بل كان يحيا المسيح بديناميكيّة الشباب وغيرتهم.

 

لم يكن حبيسنا السكران بالله مكرّسًا حياته في خدمة الفقراء والمعوزين، مثل الأمّ تريزا دي كالكوتا ومنصور دي بول وفرنسيس الأسيزي، بل كان وحيدًا مع الوحيد، زاهدًا متجرّدًا عن كل خيرات الدنيا.

 

اختصر القديس شربل اختبار النسك الماروني، وصار ذاك القديس الصامت، فجلال الصمت أخبرت عنه محبسة القديسَيْن بطرس وبولس، والأعاجيب حكت عنه… بصمته عانق الروح، وأصغى لهمسات السماء، في حالة دهشة لتجلّيات حبّ الربّ، ينشد ويسبّح ويحيا في قلب الثالوث.

 

شربل يتلألأ مع الأبرار كالشمس في ملكوت الله، عاش جذريّة التجرّد، وأخلى ذاته وترفّع عن مغريات الدنيا وشهواتها، ورغبة الغنى والطمع، فتجرّد وتحرّر من الروابط الجغرافيّة والعاطفيّة والإنسانيّة، وأصبح بكلّيته للمسيح لأنه أدركه واستولى عليه.

 

كان شربل أداة بركة للربّ، فعلى يده صنع الله عظائم، وتوافد المرضى والموجعون إلى ضريحه، ووصلت إلى ديره مئات الآلاف من الرسائل.

 

إنه أمل المتألمين، وحامل نور الإيمان إلى الفاترين، والرجاء إلى اليائسين. معجزة جثمانه وما انبعث منها من ماء يرشح على الدوام علامة بطولته الروحيّة وسرّ قداسته، وأصبح نبعًا فيّاضًا للعجائب التي تكمن غايتها في إظهار رحمة الله لخائفيه ومجد الآب السماوي، إذ إن أعظم أعاجيب شربل حياته وأمانته لنذوره في الطاعة والفقر والعفّة، وصلاته بلا انقطاع، فهو مدرسة العشق الإلهي، وجذريّة الاتّباع، والزهد الاختياري، والتماهي في الحضرة الإلهيّة.

 

وكما دشّن يسوع آياته في تحويل ماء قانا إلى خمرة، مذاقها فرح وغبطة لأهل العرس، هكذا افتتح شربل سفر عجائبه بسراج الماء الذي أشعله لينير ظلمة الليالي، فتوهّج سراجه كما حياته، كعلّيقة موسى التي توهّجت وأضاءت قبره والعالم، ومن حينها لم ينطفئ سراج القديس شربل، بل أصبح أيضًا نورًا من نور الألوهيّة.

 

شربل، اشفع لنا! شربل قديسنا أضئ سراجنا وبارك لبناننا.