موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١٩ مارس / آذار ٢٠١٦

مبارك الآتي باسم الرب

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر

دخول يسوع الى اورشليم (متى ??: ?-??) "إفرحوا بالرب دائماً... إن الرب قريب" (فيليبي ?: ?-?) "هوشعنا لأبن داؤد! تبارك الآتي باسم الرب! هوشعنا في العُلى" (متى ??: ?) هذا هو نداء الهتاف والابتهاج والفرح الذي أطلقه الأطفال والمساكين والضعفاء الذين شاهدوا يسوع وديعاً متواضعاً راكباً على أتان، وجحش ابن دابة يدخل أورشليم... متذكرين كلام الكتاب المقدس: "وإنما حدث هذا ليتم ما قيل على لسان النبي: "قولوا لبنت صهيون، هوذا ملكك آتٍ إليك وديعاً راكباً على اتان، وجحش ابن دابة" (متى ??: ?-?). هؤلاء الناس الذين رحبوا بيسوع واستقبلوه لا يريدون أن يكونوا متفرجين على يسوع، بل أرادوا أن ينضموا إليه ويسيرون معه مؤيدين مبدأ رسالته وتعاليمه ووصاياه. موكب يسوع اليوم في أحد الشعانين هو موكب بداية طريق الخلاص والفداء والتضحية والرجاء... اليوم الله يدخل إلى قلب الإنسان ببساطة، يأتينا برحمة ورأفة وطيبة... ياتينا بدعوة لحمل الصليب، يحمل بين ثناياه الخلاص، دعوته ليست صرخة خلاص كاذب مزيف، كما نرى اليوم في أيامنا، حيث الكثير من العظماء والعلماء والفلاسفة يعدوننا بالخلاص والتفاؤل، ولكن أي خلاص وأي أمل؟ فالذين يدعوننا للخلاص والتجدد هم أنفسهم محتاجين إلى الخلاص والتغير الجزري... ولكن، الحاجة دائما إلى واحد، إلى يسوع. فيسوع هو فقط يدعونا إلى خلاص ورجاء حقيقي، لا بل هو نفسه الخلاص والحق. يسوع هو ملك، ومملكته ليست من هذا العالم. يسوع هو ملك السلام، ولهذا أنشدت الملائكة يوم ميلاده: "المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام وللناس المسرة". الملك الإلهي يدخل إلى اورشليم، المدينة التي لم تعرف السلام إلى اليوم. ويدخل إلى قلوبنا التي لا ترتاح إلا بالعودة إليه لتجد سلامها وسعادتها وفرحها، كما يقول القديس أوغسطينوس. موكب يسوع لا يخيف أبدا، لانه موكب متواضع ومسالم. وهذا الموكب مؤلف من ملك بسيط جالساً على حمار ويحمل السلام والخلاص والطمأنينة لشعوب العالم، وأناس يحملون أغصان الزيتون وسعف النخيل رمزا للسلام والفرح. لهذا لا نجد جنود ولا حراس ولا أسلحة ثقيلة ولامدافع ولا دبابات ولا قنابل مسيلة للدموع، بل محبة ودعوة للتضحية وبذل الذات من أجل الأخرين... هذه هي علامات ملك متواضع ومسالم. يسوع لم يترك أن يسير في موكبه الملوك والامراء وأصحاب السلطة والأغنياء، ولا أي رمز من رموز النفوذ والقوة والعنف، هو يريد ويدعو البسطاء والمساكين والفقراء والعميان والخرس والكسحان والمجروحون والعشارون والبرص والمشردون والمهجرون، يريد كل الخطأة، كل إنسان شفاه وحرره من قيود الشر وغفر له خطاياه ليسير معه في الموكب. يسوع يريد رسلاً مبشرين بالسلام والمحبة، وعملة صالحين يزرعون السلام والحب والإيمان في بيوتهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم وأوطانهم. كثيرون كانوا على الطريق إلى اروشليم، وكثيرون رفعوا الاغصان وهتفوا للملك السماوي: "مبارك الآتي باسم الرب"... ولكن هؤلاء كلهم تراجعوا ليتركوا يسوع في ساعة الألم وحيداً ومزدرى. واخرون رفعوا اصواتهم عاليا قائلين: "ليصلب"، وغيرهم نكروه وخانوه، ولم يبق معه الا العدد القليل الضعيف الذي لا يقوى إلاّ على البكاء وبصمت... جميعنا يخاف من أصحاب السلطة، لأنهم يتسلطون بقوة وعنف على البشر، وكثيرا ما يعذبونهم ويضطهدونهم ويقتلونهم ظلماً... ولا يهتمون ولا يبالون اذا نام الكثيرين من ابنائهم جائعين او عطشانين وليس لديهم لقمة للعيش... لكن ملكنا وفادينا يسوع يختلف عنهم كلياً، ولذلك قال: "من اراد أن يكون كبيراً فليكن خادماً" هو محب، لا يزعجنا بطلباته، بل يأتينا متواضعاً ويحمل اثامنا ومعاصينا، ألآمنا ومخاوفنا، يفهمنا ويغفر لنا خطايانا، يهتم بنا لتكون الحياة عندنا أفضل. إذا أردنا أن نسير مع يسوع "الطريق والحق والحياة" (يوحنا ??: ?)، في موكب أحد الشعانين، يجب أن نجعله يدخل قلوبنا وضمائرنا ليشفي خطايانا، كبريائنا وعنادنا وانانيتنا، وعدم صدقنا وامانتنا وليضمد جروح عاهاتنا وتشوهاتنا... لكل واحد منا أورشليم خاصة به، هي: قلبه... ويسوع، لا يزال إلى اليوم راكباً الحمار ينتظر الدخول إلى أورشليم قلب كل واحد منا. في أحد الشعانين وخلال هذا الاسبوع المقدس، إلى جانب من سنقف؟ أإلى جانب الأطفال والاتقياء والأبرياء المنشدين والمبتهجين والمرنمين: "مبارك الآتي باسم الرب"، أم إلى جانب الكتبة والكهنة والفريسيين الغاضبين ونصرخ معهم قائلين: "اصلبه، اصلبه، دمه علينا وعلى أولادنا"؟... ولنتذكّرك كلمات الإنجيل المقدس: "إن لم نرتل نحن، فسترتل الأحجار وتعلن ملكوت الله". في هذا العيد الأغر، عيد الشعانين فلنلجأ إلى براءة الأطفال الذين لهم مكانهم المميز في قلب يسوع، ولنستفيد منها ونتوجه بها إلى الله بقلوبٍ نقيّة طاهرة. أحد الشعانين يجعلنا نفكر بيسوع ذلك القوي، الكلي القدرة، الذي تواضع، وكان هدفه الوحيد الخلاص. ونود استقباله في قلوبنا واثقين أنه سيكون معنا لأنه أمين لتصميمه وتدبيره الخلاصي. + المطران كريكور أوغسطينوس كوسا أسقف الإسكندرية واورشليم والقدس للأرمن الكاثوليك