موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٥ سبتمبر / أيلول ٢٠٢٥

لا بدَّ أن يستعيدَ عالمُنا لغةَ المحبة

القس سامر عازر

القس سامر عازر

القس سامر عازر :

 

المحبة ليست شعورًا عابرًا أو عاطفة مؤقتة، بل هي جوهر الوجود الإلهي نفسه. يقول الرسول يوحنا: «اللّهُ مَحَبَّةٌ»، ومن لا يعرف المحبة لم يعرف الله بعد. إننا حين نفقد لغة المحبة، نفقد المفردة الأساسية التي بها يُعرَف الله، وبها نحيا معه ونراه وجهاً لوجه. فالله لا يُدرك بالعقل وحده، ولا يُختبر بالمعرفة الجافة، بل بالانفتاح على المحبة التي هي سبيله الوحيد إلينا وسبيلنا الوحيد إليه.

 

في عالمنا المعاصر، تكسرت الكثير من الجسور بين البشر، وارتفعت جدران العداء والأنانية والكره. اختنق صوت الحقيقة وسط ضجيج المصالح، وصار الإنسان غريباً عن أخيه الإنسان. غير أن رسالة يوحنا الأولى تذكّرنا أن «إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هكَذَا، يَجِبُ عَلَيْنَا أَيْضًا أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا»، لأننا بدون هذه المحبة لا نستطيع أن نعلن حضوره بيننا، ولا أن نبني عالماً يتسع للجميع.

 

المحبة ليست خياراً إضافياً في مسيرة الإنسان، بل هي الشرط الأساسي لكي يسكن الله في وسطنا. فحيثما تسود المحبة، هناك يكون الله، وحيث يغيب الحب يحل الفراغ الروحي والموت الداخلي. إن غياب المحبة يعني أن الإنسان لم يتذوق بعد عمق الإيمان ولم يدخل سرّ معرفة الله.

 

بدون المحبة لا نستطيع أن نحيا حياة كاملة. حياتنا تتحول إلى سباق قاسٍ ومصالح باردة. أما بالمحبة فتصير لنا الحياة الحقيقية، لأنها تجعلنا شركاء في نور الله. نحن نحب، لا لأننا قادرون من ذواتنا، بل لأن الله أحبنا أولاً، وهذه الحقيقة هي التي تُلزمنا أن نعكس هذه المحبة للعالم.

 

وقد لخّص القديس أوغسطينوس هذه الحقيقة بكلمات بليغة حين قال: «أحبب، وافعل ما تشاء». فالمحبة ليست فقط وصية، بل هي البوصلة التي توجه كل أفعالنا وأقوالنا وقراراتنا. فإذا كانت جذورنا في المحبة، فإن ثمارنا ستكون خيراً وسلاماً وبركة.

 

إن دعوتنا اليوم هي أن يستعيد عالمنا لغة المحبة؛ أن نتعلم أن نخاطب بعضنا بعضاً بكلمات حانية، بأفعال رحيمة، بمواقف تبني ولا تهدم. نحن بحاجة إلى أن نعيد تعريف إنسانيتنا من خلال المحبة، فهي ليست ضعفاً بل قوة، وليست استسلاماً بل انتصاراً. وحدها المحبة قادرة أن تكسر دوائر العنف، وتذيب جليد الكراهية، وتفتح أمامنا أفق الرجاء.

 

(أخبارنا نت)