موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
لربما نحتاج نحن اليوم أن نفعل ما فعله الرعاة بأن نذهب إلى بيت لحم وننظر ذاك الطفل المقمط المضجع في المذوذ، فتلك إذ كانت العلامة المعطاة من الملاك على صحة كلامه وعلى التأكيد على الخبر السار أو البشارة السماوية، بولادة المسيح الرب.ويخبرنا لوقا البشير بأنهم أي الرعاة، "لما رأوه أخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي". هؤلاء الرعاة البسطاء من بطاح بيت لحم كانوا يقضون وقتهم سهراً على رعيتهم خوفاً عليهم من الحيوانات المفترسة أو من اللصوص. كان ينظر إليهم على أنهم من طبقة دونية، .. إذ لم يكونوا من طبقة الأغنياء أو من طبقة المتعلمين، فعاشوا مهمشين في المجتمعِ، مع كونهم طيبون وكرماء وأصحاب نخوة. لمثل هؤلاء كانت البشارة المفرحة وليس لغيرهم.. فمثل قلوب هؤلاء الرعاة كانت مهيئةً لاستقبال بشارة الملاك لهم، وهذا ما دفعهم إلى البحث إلى طفل الميلاد قائلين: " لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظرْ هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب." نعم، إن الله يبحثُ عن مثل تلك القلوب المستعدة لاستقبال بشارة الخلاص. فكثيرون غيرهم أعمتهم حياتُهم عن رؤية حقيقية طفل الميلاد. فماذا يعني الميلاد للأغنياء وقد ولد المسيح فقيراً في مغارة للحيوانات؟! ماذا يعني ميلاد المسيح للحكماء والفهماء، وفلسفتهم تتمحور حول حق القوة والمنطق والجبروت؟! ماذا يعني الميلاد لرؤساء الدين وقد انتظروا مسياً يجلس على كرسي داود ويعيد أمجاد قومه؟! لأمثال هؤلاء يشكَّلَ المسيحُ التحدي الحقيقي في حياتهم بقوله " طوبى لمن لا يعثر فيّ" (مت 11: 6). فالغني قد يصطدم بتعاليم المسيح لأنه عليه أن يشكر الله من غناه وأن لا يتكل عليه أبداً، "فإن زاد الغنى،" كما قال المرنم في المزمور الثاني والستون "فلا تضعوا عليه قلباً." (مز 62: 10). وكذلك الحكيم، فقد يرى في صليب المسيح جهالة، لأنه يطلب حكمة أرضية وفلسفة عالمية (1 كو 1:23)، ولكن المسيح "صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء" (1 كو 1: 30). ولرؤساء الدين اليهودي كان المسيح بدعة لأنه لم يجلس على كرسي داود أبيه ويعيد أمجاد مملكة إسرائيل، .. ولكن لأمثالِ هؤلاء الرعاة البسطاء على أطراف مدينة بيت لحم كانت البشارة التي غيرّت مجرى حياتهم. لأول مرة شعروا بقيمتهم في الحياة وباعتبارهم في عيني الله، فرغم بساطتهم وفقرهم ووضاعة منزلتهم إلا أن الملاك بشرهم من دون غيرهم بهذا الحدث العجيب، وكأنه يقول لهم أنتم أيضاً لكم نصيب مع المسيح، فالاعتبار الأساسي ليس للمنزلة الاجتماعي ولا للغنى ولا للقوة ولا للحكمة، .. بل لمن يستعد لفتح قلبة لقبول بشارة الملاك بولادة المخلص الذي هو المسيح الرب. فبشارة الملاك كانت لجميع الناس المستعدة قلوبهم لقبوله " اليوم ولد لكم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب." لا شك أن الرعاة وقعوا في حيرة من أمرهم، وتساءلوا، من نحن حتى يكرمنا الله ويشرفنا بهذه البشارة السارة فنكون من أوائل من عاينوا خلاص المسيح بأم أعيننا؟! منظر الملاك الذي وقف بهم أخافهم .. فلم يسبق لهم أن رأوا رسولاً سماوياً من قبل، ولم يسبق وأن اختبروا مجد الله من قبل. نعم، بخيرنا لوقا البشير بأنَّ مجدَ الرب أضاء حولهم، أضاء قلوبهم، أضاء عقولهم، أضاء عيونهم، فهبوا مسرعين إلى بيت لحم لكي يروا هذا الأمر الواقع الذي أعلمهم به الرب. لقد تيقن تلك الرعاة بأن كلام الملاك لهم هو كلام الرب، فلم يترددوا بالإسراع ليبحثوا عن تلك العلامة التي تدلهم على المسيح المخلص. فالمسيح هو مشتهى الأجيال، هو الممسوح من الله والمعين لخلاص البشرية جمعاء. لذلك ترنمت الملائكة في سماء بيت لحم أنشودة الميلاد قائلة: "المجد لله في الأعالي وعل الأرض السلام وبالناس المسرة". نعم، لقد جاء المسيح لينشر السلام في قلوب الناس الذين هم مسرتُه عندما يفتحون له قلوبَهم ويقبلونه كمخلص لحياتهم، فيحصلون على السلام الإلهي الآتي من فوق من أبي الأنوار. وهذا السلام قائم على المصالحة بين الله والناس بسبب غفران الخطايا. إن عيد الميلاد يذكرنا اليوم بالمحبة الإلهية التي تجسَّدَتْ في أسمى صورها. فللمحبة ألوناً مختلفة، .. لكن المسيح أرانا الحبَّ في أسمى مراتبه، فعلمنا بحياته وتعاليمه كيف يحبُّ الإنسانُ حتى أعداءه ويبارك لاعنيه، ويحسن إلى مبغضيه. فأين العالم اليوم من محبة ليلة الميلاد؟! لو عرفَ العالمُ المسيح بميلاده لما استعمل العنف وسيلة، والقتل أسلوباً والإساءة طريقاً والتعصب فكراً. لذلك نحتاج اليوم كالرعاةِ إلى نذهب إلى بيت لحم لكي نرى عظيم محبة هذا الطفل يسوع الذي كان تتميماً للنبوءات وبداية عالم جديد يسوده السلام والفرح والرجاء. رسالتنا أن ندعوَ الناس ليذهبوا إلى بيتَ لحمٍ وينظروا طفل الميلاد. فميلاده كان ميلادٌ جديد للبشرية وللحرية وللعدالة وللسلام وللمحبة الأخوية الصادقة. دعونا نعيش فرح الميلاد وبهجة الميلاد محققين مسرة الله بنا. ولنسبح على الدوام مع الملائكة قائلين: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة. آمين. وكل عام وأنتم والأردن وجلالة ملكينا المفدى عبد الله الثاني ابن الحسين بألف خير