موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢١ مارس / آذار ٢٠٢٤

المعلّم الأديب سميرات

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

يحار كثير من إخوتنا العرب والمشرقيين والشرق أوسطيين عموما، في محاولة توصيف الأردنيين بحسب أسمائهم الأولى أو كنياتهم أو عشائرهم. لطالما شرحت لزملاء أكارم جمعتني بهم «مهنة البحث عن المتاعب» في بريطانيا وأميركا، أن الناس في الأردن يعرّفون الثقافة والدين والوطنية والقومية على نحو مغاير لما يسود في وسائل الإعلام، من استقطاب أساسه تلك القسمة الضيزى بين «نحن وهم»، استنادا إلى جدار العزل النفسي المسمى ب «الأنا والآخر». جميعنا في هذا الحمى الأردني الهاشمي أردنيون، ونقطة أول السطر وآخره..

 

لدينا مسجد باسم عيسى بن مريم في مادبا. وكثير من الأردنيين المسيحيين يسمون بكرهم بعمر وعليّ. وكثير من الأردنيين المسلمين يحرصون على بكر يحمل اسم فادي، أو الفادي معرّفا.. كذلك هي العشائر الأردنية، كالحداد والزريقات، والسميرات منهم مسلمون أبا عن جد، ومنهم مسيحيون أبا عن جد الأجداد فهم قرامي البلاد.

 

الشجرة الأردنية باسقة جذورها، ضاربة في التاريخ، ممتدة إلى ما قبل حدود سايكس-بيكو، فكثير من تلك العشائر -ولا أزيد إلى علم القراء الكرام جديدا- كثير منها لها حضور سامق ممتدّ لأجيال، في دول عربية شقيقة مجاورة. والجوار هنا لا يقف عند الدول المحيطة بل يصل إلى يمننا الذي كان سعيدا.

 

في هذا الشهر المبارك، وكل أيامنا مع الله نعمة وخير وبركة، بدأنا الشهر بما هو خير، بذكرى معركة الكرامة التي اختلط في القاني المسلم والمسيحي، دفاعا عن ثرى الأردن المفدى. وفيه يتقاطع هذا العام ثلاثة أقمار من بدر الصيام لا هلاله فقط (صوم المسلمين والمسيحيين بحسب التقويم الغربي فالشرقي). وفيه يومنا هذا، الحادي والعشرين من آذار، عيد الأم والميلاد والربيع والحياة، حيث نحنو ونجثو تقبيلا لهامة وراحتي أمهاتنا، أو استذكارا لعطرهن السرمدي، وإن غابوا عنا، فهنّ الحاضرات أبدا. إنها أيام بركة لا تكبر ولا تدوم إلا بالاتساع والإضافة والزيادة، لتضمّ الجميع تحت جناحيها حبا وكرامة، كما نقول في حياتنا اليومية، باللهجة المحكية.

 

هو الحب والمحبة التي لا تقيم إلا كرامة. كتب الله مقام معلّمي -أستاذ اللغة العربية- العلّامة جريس سمعان سميرات، الأديب الأستاذ الأردني الفحيصيّ»الترسنطاوي» ـ نسبة إلى كلية تراسنطة الرابضة على قمة جبل الياسمين اللويبدة في عمّان الحبيبة- كتبه الله مقامه في عليين مع الملائكة والقديسين والأبرار. ذكرته بخير في مجلس جمع جيرانا وأصدقاء في أمسية رمضانية واشنطونية، معظمهم لا يعرفون سوى الإنجليزية والثقافة الأمريكية. حدّثتهم عن تلك القامة التي غابت عن دنيانا إلى الملكوت السماوي قبل عقدين إلا سنة (قمرية أو شمسية – لا فرق). مازال صوت «أبي جوهر» الجهوريّ ورسمه وإطلالته وهيبته في الوجدان والذاكرة. كان صوته عميقا راسخا في هدوئه وتأثيره، خاصة أثناء شرح المعلّقات أو الشعر الوطني، أو آيات من الذكر الحكيم التي تضمنها منهاج اللغة العربية. أما مشيته، فكانت وكأنها مشية خريج كلية أركان حرب، تحديدا كتيبة الفرسان من حملة الأولوية.. نظّارته خضراء داكنة لا اسوداد فيها، وكوفيته كانت سوداء-بيضاء وبيضاء-حمراء.

 

كل عام وأردننا الحبيب بخير. تقبّل الله صيامنا وطاعاتنا. ومسبقا أعايد على الجميع، بفطر سعيد وفصح مجيد وقيامة عظيمة وأضحى مبارك، جميعها آتية، نستبشر بها جميعا فرحا وخيرا يعمّ ويفيض..

 

(جريدة الدستور الأردنية)