موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٧ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٢

القديسة فيرينا التي علمت أوروبا الطب وفنون النظافة

سارة طالب السهيل

سارة طالب السهيل

سارة طالب السهيل :

 

يحتفل مسيحيو العالم بعيد الميلاد المجيد ونشاطرهم فرحتهم متمنين لهم عاما مشرقا بالآمال والسعادة و الإنسانية.

 

ولم أجد في هذه المناسبة سوى استعادة ذكرى القديسة القبطية فيرينا، ابنة صعيد مصر الغالي، التي خلدها التاريخ لما قدمته للإنسانية من عطاء وعلم وشفاء وخدمة قبل اكثر من خمسة عشر قرنا.

 

فالتاريخ لا يخلد الا العظماء الذين خدموا البشرية ونفعوها بجهدهم وعلمهم وعطاءهم كالقديسة فيرينا عبر رحلتها في العطاء والعمل الإنساني من صعيد مصر وانتهاء بسويسرا التي علمت سكانها الاستحمام بالماء والطهارة وتشميط الشعر للتخلص من الحشرات، كما اخرجت الكثير منهم من الوثنية، مقدمة أنموذجا رائعا لنفع الناس بالعلم والعمل وطهارة القلب.

 

ولكم ان تتخلوا كيف كانت أوروبا في عهد ظلماتها وانتشار الأوبئة فيها، لم تكن تعرف استخدام الماء في غسل الجسد وتطهيره، حتى جاءت القديسة فيرينا الى سويسرا، فلا غرابة اذا ان يحتفي العالم بذكراها العطرة في سبتمبر من كل عام.

 

فقد نشأت القديسة فيرينا وتعني الثمرة الطيبة، في قرية فقيرة تابعة لمركز قوص بصعيد مصر، لأبوين مسيحيين، وتربت على الأخلاق والعفة والطهارة، وكانت هذه المنطقة مشهورة بالتطبيب وصناعة الدواء من الأعشاب توزعها على أنحاء مصر.

 

واستثمرت القديسة فيرينا هذه الخبرة ونقلتها للسويسريين، والمدهش أن نرى السويسريين بمدينة تسورتساخ بزيورخ هم الذين يحتفلون بذكراها سنويًا ويرمزون إليها بالمشط المزدوج (الفلاية) وإبريق المياه.

 

وصفت القديسة فيرينا بعد موتها بأم الراهبات، وبنيت فوق جسدها كنيسة في مدينة تمبورتاخ بسويسرا، فيما صنعت لها المجسمات الفنية لتخلد ذكرى عذراء الصعيد التي علمت السويسريين أهمية الطهارة والعفة والنظافة الشخصية في محاربة الأمراض، وانتقلت هذه الثقافة بفضلها الي انحاء أوروبا.

 

وشاءت الاقدار أن تكون "فيرينا" ضمن كوكبة من العذارى القبطيات بصحبة الكتيبة المعروفة باسم الكتيبة الرومانية الطيبية (نسبة إلى مدينة طيبة)، لاخماد ثورة الغال في اوروبا، وبطلب من الإمبراطور مكسيميان، يقمن بإعداد الطعام ورعاية الجرحى.

 

وبعد استشهاد كل أفراد الكتيبة من الرجال، تم تسريح الممرضات، إلا فيرينا وبعض العذارى رفضن الرجوع، وأقمن في كهف واقع على الحدود الألمانية السويسرية كانت فيرينا تتعبد فيه وتواصل الصوم والصلاة وتقتات من عمل يدها.

 

وكانت تخرج من هذا الكهف إلى القرى المحيطة ببلاد الغال الوثنيين لتقدم أعمال الرحمة والمحبة للفلاحين والفقراء، وتقوم بتعليمهم أصول النظافة الشخصية، والعلاج بالأعشاب الطبية، وتغسـل جـروح البـرص وتـدهنها بالأدويـة، وتعلمهم الاغتسال بالماء.

 

فقد استفادت القديسة فيرينا في ذلك بمعرفتها الواسعة بأصول الطب القديم الموروث من أيام الفراعنة، وهو ما أعانها على مساعدة المرضى.

 

بينما تحتفي الكنيسة المصرية في أدبياتها بالقديسة فيرينا، بإقامة احتفال سنوي تذكارًا لها في 24 هاتور، (هاتور بالتقويم المصري يبدأ من 11 نوفمبر إلى 9 ديسمبر). فإن الكتب تذكر لفيرينا عدة كرامات، منها معجزة توسلها إلى الله كي ينظف المكان التي حلت به من الحيات التي تسعى فيه، فاستجاب الله لرجائها وهربت الحيات، وأَمِنَ الناس.

 

وتركز المصادر التاريخية على "معجزة أكياس الخبز"، حينما لم يكن لدى فيرينا وزميلاتها أي خبز، ففي الوقت الذي كانت المخاوف تجوب قلب صديقاتها، لم تشك هي في كرم الرب، فقامت للصلاة وناجته قائلة: "يا الله، يا من تهب صنيعة يديك ما يحتاجون إليه، أنت ترى ما ينقص بنوك وتعلم ما نحتاجه للبقاء على قيد الحياة..."، وبعدما انتهت من الصلاة، سرعان ما عثر الحضور على 40 كيسًا من الدقيق.

 

ستبقى ذكرى القديسة فيرينا عطرة نشتم عبقها كلما قرأنا سطرا خلد فيه التاريخ حياتها وعطائها.

 

ولنتعلم من هذه الصفحات أهمية النظافة والطب واقترانهما ببعضها في زمننا الذي انتشرت فيه الأوبئة، ولكن أيضًا فان هذه النظافة وعلم الطب القديم أو الحديث لا يتكامل دورهما في تمام عافية الانسان بمعزل عن الجانب الروحي والايماني الذي جسدته عذراء الجنوب قديسة صعيد مصر والعالم.

 

ولنثق أيضًا في قيمنا العربية والشرقية الروحية والطبية وكيف اننا أخرجنا اوريامن ظلمات الجهل والمرض الي الشفاء والطهارة ، ومن الوثنية إلى العبودية.

 

كل عام والمسيحيين في العالم العربي، الشرقي والغربي، بألف خير وأقباط مصر والعالم بخير ويمن وسعادة وبركات.