موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يقول الشاعر: "هكذا يكون الجوع خطيراً، ثائراً وعميق الانتماء".. كم يسافر معظمنا خارج الوطن وداخله طلبا للراحة والاستجمام وبحثا عن "لقمة" طيبة ربما في دولة مجاورة او في مطعم يتصف بالجودة.. وللحق انا واحدة منهم، وكم نُدعى خلال المناسبات الكثيرة التي تقام سنويا الى موائد الطعام, فكم جميل لو كنا نستطيع التعامل مع هذه الموائد بشكل طبيعي دون اسراف او مبالغة. ما لفت انتباهي واحزنني وجعلني أكتب اليوم لكم هذه الكلمات, هي المشاهد المؤلمة التي نشاهدها عندما يتزاحم الكثيرون في افراحنا عند موائد الطعام، ويبدأ غالبية الناس يملأون أطباقهم بمختلف أنواع الأطعمة وبمقدار يفوق معدل اكلهم اليومي، وكأنهم لم يأكلوا أبدا، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل يكرروا تعبئة الأطباق مرة ثانية وربما ثالثة, وبكل اسف هم لا يستطيعون اكمال ما ملأته ايديهم وإنما يتركون الجزء الأكبر منها ليذهب هباء منثورا. المشهد ربما يبدو غريبا ولكني اعتقد انه مألوف لبعضكم. الا ترون ان ذلك يدخل في باب الشراهة وإهدار الطعام من غير حساب ومسؤولية، وان الامر لربما يرتبط بالأخلاق والتربية, وخاصة حين تتذكر وانت في وسط كل هذا ان لك اخوة في البشرية قد لا يجدون قوت يومهم. ان الشراهة في الطعام آّفة سامة لا بل هي خطيئة من ناحية دينية، واما من ناحية اجتماعية فهي ايضا تندرج في اطار الخطيئة لان البيوت الفقيرة والمحتاجة لكسرة الخبز تعد اماكن محزونة وميتة, لذلك علينا ان نعرف اسباب هذه الشراهة وكيف نعالجها, آخذين في الاعتبار اكتشاف عطية الله من خلال الطعام "فان اكلتم او شربتم فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1 قورنتس 1:31). اعتقد ان علينا توجيه دعوة اليوم لنتناول الطعام بحسب حاجتنا الصحية له, وليس بحسب رغبتنا، ولنسعى في السيطرة على إرادتنا وإعادة تربية أجسادنا وعدم الافراط في الاكل لدرجة التخمة، فانه لمن الغريب ان نستطيع السيطرة على ذواتنا في فترة زمن الصوم ولا نستطع في الايام العادية؟؟؟. السيد المسيح له المجد يعتبر قدوتنا في أمور حياتنا لذلك. دعونا نتأمل دعوة القديس اغسطينوس حين قال: لم يكن السيد المسيح يجلس على المائدة فقط ليأكل بل ليكون مع الآخرين. فإن نكون مع الآخرين يعني ان توجد المقاسمة والشركة بيننا، والمقاسمة هنا تعني بالضرورة المحبة والمحبة تعني يسوع الذي احبنا وشاركنا حياتنا الأرضية. اما بما يخص الطعام الذي يقدم في الفنادق وقاعات الأفراح والمناسبات فان هذا المشهد لا يقل حزنا عن سابقه, حيث تتكرر الشراهة والتبذير حتى أن كميات الطعام المتبقية في الأطباق تكفي لتشبع الكثير من الافواه الجائعة، وهنا يتبادر الى ذهني سؤال هام: فأين تذهب المطاعم والفنادق وقاعات الأفراح بهذه الأطعمة المتبقية؟ علما ان الكثير منها لم يتم افساده او استعماله! يحزنني ان اقول حسب ما اخبرني احد الاصدقاء العاملين في الفنادق انه يلقى بها في حاويات القمامة، ولا ترسل للفقراء والمحتاجين خوفا من الوقوع في مشاكل صحية واحراجات اجتماعية هم في غنى عنها, وباعتقادي ان هذا الامر لربما يكون بحاجة الى دراسة معمقة وعملية لكي يتم الاستفادة مما تبقى من طعام. ان هذا الامر على بساطته في اعين البعض الا انني اعتقد ان على الجهات الاجتماعية والإنسانية والتي تعنى بشؤون الفقراء والمحتاجين والجياع, دراسته مع مسؤولي الفنادق والمطاعم الكبرى وقاعات الأفراح والنقابات التي تمثلهم, عسى ان نفيد فقراء جائعين لا يجدون سوى كسرة الخبز وكوبا من الشاي طعاما يوميا لهم، والله سيكافئ الجميع على حسن أعمالهم, وكما يقول المهتاما غاندي في احدى فلسفاته: "كيف بوسعي التحدُّث عن الله للملايين الذين ليس بوسعهم تناول وجبتين في اليوم؟ فبالنسبة لهؤلاء لا يمكن للألوهة أن تكون إلا خبزاً وزبدة, وقد قدَّمت لهم المغزل آملاً أن يغدو بوسعهم الحصول على الزبدة". واخيرا فلتكن رسالتنا واضحة ولنقتدي بالسيد المسيح في أعجوبة الخبز والسمك, عندما أمر التلاميذ بجمع فتات الخبز فجمعوا اثني عشر قفة، نعم ان الخبز والأطعمة هي نعمة من الله فلا يجوز بعثرتها وإتلافها, لذلك علينا ان نضع نصب اعيننا كل المحاجتين الذين يبحثون في حاويات القمامة عن كسرة خبز او عن بقايا طعام في علب بالضرورة ستكون فارغة.. والله لا ينسى اجر فاعلي الخير.