موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
لا يتضمن الكتاب المقدس، بشقيه العهد القديم والجديد، وصفاً مباشراً لآلية "الانتخابات الديمقراطية" بمفهومها المعاصر القائم على الاقتراع السري. ومع ذلك، فهو يزخر بالمبادئ التوجيهية الأساسية حول اختيار القادة، مسؤولية الحاكم، وواجب المواطن تجاه السلطة، مما يوفر إطاراً روحياً وأخلاقياً للمشاركة في العملية الانتخابية.
أولاً: مبدأ الاختيار والتفويض
يقر الكتاب المقدس بمبدأ تفويض الشعب أو الجماعة لاختيار من يقودهم في سياقات معينة:
• اختيار المعاونين: في سفر أعمال الرسل (6: 1-7)، عندما ظهرت مشكلة في خدمة الموائد، دعت جماعة الرسل إلى أن "تَنْتَقُوا أَنْتُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَالٍ مِنْكُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ وَمَمْلُوئِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ"، ليُقاموا على هذه الخدمة. هذا يمثل نموذجاً مبكراً لاختيار القادة بالتشاور بين الجماعة.
• صفات القائد: يركز الكتاب المقدس على الصفات الداخلية والخارجية للقائد المختار. في سفر الخروج، يقدم يثرون لموسى معياراً لاختيار القضاة: "وَأَنْتَ تَنْظُرُ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْبِ ذَوِي قُدْرَةٍ، خَائِفِينَ اللَّهَ، أُمَنَاءَ، مُبْغِضِينَ الرَّشْوَةَ..." (خروج 18: 21). هذه الصفات تُعد دليلاً للمُقترع في أي زمان.
ثانياً: العدل والرحمة: معيار الحكم
إن الغاية العليا للحكم في المنظور الكتابي هي تحقيق العدل والاهتمام بالضعيف:
• العدالة كركيزة: يؤكد المزمور (72) على واجب الملك في "قضاء شعبك بالعدل ومساكينك بالحق". وفي سفر الأمثال، "بِالْعَدْلِ يُثَبِّتُ الْمَلِكُ الْبِلاَدَ" (أمثال 29: 4).
• الدفاع عن المستضعفين: القائد الصالح هو من "يَنْطِقُ لِأَجْلِ الْأَخْرَسِ، لِقَضَاءِ جَمِيعِ بَنِي الْبُؤْسِ" (أمثال 31: 8). المشاركة في الانتخابات هي وسيلة للمؤمن ليصوّت لصالح من يدافع عن حقوق المحتاجين والفقراء.
ثالثاً: مسؤولية المواطن المسيحي (الناخب)
في العهد الجديد، تُحدد علاقة المؤمن بالسلطة المدنية، وهذا يشمل المشاركة في اختيارها:
• الخضوع للسلطات: يوصي القديس بولس بالخضوع للسلطات القائمة: "لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ" (رومية 13: 1). المشاركة الانتخابية هي شكل من أشكال التعامل الإيجابي والمسؤول مع هذه السلطة.
• واجب الصلاة: يحث الرسول بولس: "فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طَلِبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ..." (تيموثاوس الأولى 2: 1-2). الصلاة من أجل القادة، المنتخبين والمرشحين، هي واجب روحي يسبق أي قرار انتخابي.
• الحكمة والتدقيق: يذكر يوحنا الرسول: "لاَ تُصَدِّقُوا كُلَّ رُوحٍ، بَلِ ٱمْتَحِنُوا ٱلْأَرْوَاحَ" (يوحنا الأولى 4: 1). هذا المبدأ ينطبق على فحص توجهات المرشحين وبرامجهم للتأكد من توافقها مع القيم الأخلاقية والإنسانية.
الخلاصة: التصويت كفعل أخلاقي
من منظور الكتاب المقدس، لا يُنظر إلى الانتخابات كحق سياسي فحسب، بل كمسؤولية أخلاقية وروحية. قرار التصويت هو اختيار للشخص الذي سيمارس السلطة التي يعتبرها الكتاب "خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ" لخير المجتمع (رومية 13: 4).
لذلك، يجب على المؤمن أن يصوّت بضمير مستنير، يطلب الحكمة الإلهية في اختياره، وأن يضع نصب عينيه ليس مصالحه الشخصية، بل الخير العام، والعدالة، وخدمة المحتاجين، وسلام المدينة التي يعيش فيها (إرميا 29: 7).