موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٥

الآفاق الروحية للحرية الدينية

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

شارك وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أمس الأول الإثنين، احتفال بلاده والعالم في اليوم العالمي السابع والعشرين للحرية الدينية بعنوان رئيسي استهل به تغريدته بأن الحرية الدينية حرية لا تبعية أو «ذميّة» ولا هيب عبء أو موضع مساءلة. اختصرها بكلمتين: «لِبِرْتي» لا «لَيَبِلِتي».

 

صادفت الذكرى يوم السابع والعشرين من أكتوبر في الوقت الذي مازال فيه كثير من دول العالم يعاني اضطهادا دينيا يتراوح بين الأساليب الدامية العنيفة الخشنة، وبين ما تبدو ملساء كجلود الأفاعي، وما بين الحالين، من درجات الاضطهاد والقمع والاستقواء والإقصاء المتلونة كما الحرباء، ظنا من بعض القوى الإفلات من المحاسبة الأرضية والسماوية. مهما «أمهل» سبحانه لا «يهمل» أبدا، كما في تراثنا الروحي والثقافي «ربنا يُمهِل ولا يُهمِل»، سبحانه كم هي عظيمة جليلة، محبته وحكمته وقدرته وقوته.

 

في سنوات الإرهاب الدامي والفوضى المتوحشة لليسار المنحل المختل، رفع دعاة حماية الحرية الدينية شعار: الحرية الدينية لا الحرية في محاربة المؤمنين والمتدينين. يسيء البعض فهم العلمانية القائمة على فصل «الكنيسة عن الدولة» في الدول الغربية التي سبقت العالم في الدعوة إلى الديموقراطية وتطبيقها. يسيئون الفهم والظن فيرون فيها زعما باطلا بأنها معادية للدين وهذا غير صحيح، وإنما هو احترام قدسية الدين ودور العبادة بإبقائها بعيدة عن «التسييس». والعكس صحيح حيث لا يراد «تديين» الفضاء العام، ولا القطاع العام أو العمومي، لأنه ليس من حق أحد فرض فهمه للدين أو المذهب أو الطائفة على صف مدرسي أو جامعي يتم فيه مثلا تدريس العلوم التطبيقية، أو إقحام ذلك الفهم في خدمات معيشية صرفة كالمياه والكهرباء. من كان ليتخيل بعد كل الدماء التي سفكت والأموال التي هدرت عبر سنوات «الربيع العربي والفوضى الخلاقة» الهدامة الدامية، أن يتم ربط توفير الكهرباء أو الغاز أو المياه والصرف الصحي، بمنصب يتولاه شخص من طائفة أو مذهب قدّم نفسه إلى العالم على أنه حزب أو فصيل؟! ما كانت الديموقراطية أبدا مجرد اقتراع ولا عدّ أصوات أغلبية تضطهد باسم الأكثرية أو الغلبة حقوق من لم يتمكنوا من الاقتراع المؤثر لأي سبب كان وقد يكون بنيويا وظيفيا، أو ثقافيا تراكميا.

 

الأردن كشعب وكمجتمع قبل أن يكون دولة ومؤسسات، شكّل عبر مئوية ونيّف منارة في تبنيه الحريات الدينية وصونها. وذلك موضع اعتزاز وطني، وتقدير أمريكي وعالمي. ولعل في ولاية ترمب الثانية، فرصة لتوثيق العمل المشترك الخيّر، للبناء على ما أنجزته شراكة ثلاثة أرباع القرن، في تعزيز مكانة البلدين منارة للحريات الدينية، شراكة لا تقف عند حدود القطاع العام بل الخاص أيضا، مع فرص وفيرة واعدة لتجسيد تلك الحريات فيما يتصل بقطاعات التربية والتعليم والثقافة والإعلام والسياحة. ليس السياحة الدينية وحدها بل الصناعة السياحية بكل منتجاتها، والتي يتطلع المحبون للأردن وأمريكا وللقيم الروحية السامية المشتركة، ألا تقتصر على زيارة الأماكن المقدسة والأراضي المباركة، بل العيش في أشبه ما تكون قرى روحية يلوذ بها المتعبدون والناسكون والدارسون لما يعرف في الأوساط الأكاديمية ب «سَباتِكَل» عاما كاملا، أو فصلا جامعيا، أو «سنة ما قبل التوجيهي» كما في برامج التبادل الثقافي بين المدارس الأمريكية والأردنية، أو -وهذا في متناول اليد- وقد يتم تنفيذه عبر تطبيقات تشرف عليها هيئات مختصة مشتركة، لقضاء مواسم الصوم الإسلامي والمسيحي مثلا في المغطس، مادبا، عجلون، السلط، الكرك، الشوبك، مَعان، أو في دير لرهبان فرنسيسكان أو أرثوذوكس مثلا في أمريكا أو لدى طوائف لها تجاربها الخاصة، كطوائف الآميش والكويكرز والمورمونز.

 

العيش المشترك حقيقة في الأردن وكذلك أمريكا. والدوائر المتقاطعة متداخلة في ميادين وساحات كثيرة، تدعونا جميعا لرفع أكف الدعاء والرجاء معا لما فيه خير بلادنا والبشرية جمعاء.. الآفاق الروحية أسمى مما يراه البعض «سقوف» الحريات الدينية!

 

(الدستور الأردنية)