موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢٢ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٤

«صوت الصّمود» الموسيقى والغناء في قلب الحرب

د. هبة عباسي

د. هبة عباسي

د. هبة عباسي :

 

كان للفنون، منذ القدم، دور كبير في التّوثيق والتّأريخ للأحداث الكبرى، وتُعَدّ الموسيقى والغناء، على وجه الخصوص، تاريخًا مُلَحَّنًا، يحمل في طيّاته أصالة الشّعوب، وثقافتها، وتجاربها، وينقل تفاصيل حياة البشر، وأفكارهم، ومشاعرهم، وقصصهم، ووقائعهم.

 

وفي زمن الحروب والصّراعات الدّوليّة، والتّحدّيات والظّروف الصّعبة، تتولّد لدى النّاس مشاعر مختلطة، تعجز الكلمات عن إظهارها والإفصاح عنها، فيتجلّى دور الموسيقى والغناء كأدوات تعبير فريدة، تفتح نوافذ الأمل والتّفاؤل، وتجسّد تجارب النّاس ومعاناتهم، وتحوّل أفكارهم إلى إبداع مسموع، قادر على التّواصل مع الآخرين.

 

ويُعَدُّ الإبداع الموسيقيّ المتشكّل في ظلّ الظّروف القاهرة اليوم، أداةً فعّالة للاحتجاج على القمع السّياسيّ، والظّروف الإنسانيّة القاهرة من جهة، ووسيلة مؤثّرة في توعية المستمعين بتاريخ فلسطين، وتحفيزهم على الصّمود والنّضال ضدّ الاحتلال، لتحقيق التّغيير الاجتماعيّ، وتأكيد حقّ تقرير المصير من جهة أخرى.

 

فالكثير من الأشعار والأغاني والأعمال الفنّيّة المبدعة، الّتي قدّمها الكثير من الأدباء والشّعراء والفنّانين، أمثال: إبراهيم طوقان، وكمال ناصر، وناجي العلي، ومحمود درويش، وغسّان كنفاني، وريما ترزي، وتانيا ناصر، وكميليا جبران، وغيرهم؛ كان لها أثر واضح في فلسطين، ومخيّمات اللّاجئين والمهجرين بعد النّكبة؛إذ جسّدت روح الصّمود الجماعيّ، وأكّدت أهمّيّة التّجربة الجماعيّة في مواجهة الاحتلال، ونقلت رسائل سياسيّة وطنيّة واضحة، وحثّت الشّعب الفلسطينيّ وسائر الشّعوب العربيّة على التّكاتف والتّعاضد. وفي هذا السّياق، ظهرت الكثير من الفرق الموسيقيّة؛ كفرقة العاشقين، وفرقة الأصايل، وفرقة جفرا للتّراث الفلسطينيّ.

 

وفي قلب الوضع الحاليّ في قطاع غزّة، تشكّل الموسيقى والغناء لونًا من ألوان المقاومة الشُّجاعة؛ فنرى على سبيل المثال لا الحصر، فرقة صول، وفرقة صوت الحرّيّة الّتي تجمع فنّانين من داخل غزّة وخارجها، يغنّون معًا بصوت يتجاوز الحدود، ويعبّر عن روح المقاومة، والتّضامن، والصّمود.

 

وفي هذا السّياق الصّعب، تنجح الفنون والموسيقى في التّعبير بصوتٍ يتجاوز حدود الكلمات، موحِّدةً قلوب النّاس، ومؤلِّفةً بينهم، ومجسِّدة لهمومهم، وتطلُّعاتهم، وآمالهم؛ وفي هذا الوقت الّذي يعلو فيه صوت القتل والدّمار، يظهر الفنّ كرفيق لا يعرف الانقسامات، وكصديق مساند يشدّ من عزيمة الإنسان.

 

«افتح قلبك يتّسع للكون»، هكذا يقول أولئك الّذين يجدون في الموسيقى والغناء ملجأً ومصدر قوّة في وقت الاضطرابات. وبينما تصبح الحروب مصدرًا للألم والفقدان، ينبثق الفنّ كنافذة مشرقة للتّعبير عن المشاعر، وتسليط الضّوء على جمال الإنسانيّة، وحبّ الأوطان، وتجسيد حقّ الإنسان في الحلم والأمان.

 

إنّها قصّة «صوت الصّمود»، حيث تتراقص الفنون والموسيقى في أرض الصّراع، وتعزف ألحان الأمل، وتنشر بذور التّفاؤل بين أحضان التّحدّي والمقاومة.

 

(الدستور الأردنية)