موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٢ فبراير / شباط ٢٠٢٣

25 عامًا من الأسقفية، فينيذكتوس مِعمَارٌ وبَاني

فؤاد الكرشة

فؤاد الكرشة

فؤاد الكرشة :

 

(مُبارك أو مَبروك) هُو إسمُه، الذي لم يَقبل أن يَكونَ أسقفاً تَقليدياً، لم يقبلَ أن يكونَ صاحبَ صوتٍ عَجاج مُرتدياً التاج، بَل أسقُفاً عَملياً مُتأقلِماً مُتفهماً.

 

قبلَ 25 عَاماً بتاريخ 22.2.1998 صَبيحة يَومَ أحد في كَنيسةِ القِيامة حَضر المَرحوم البَطريرك ذيوذوروس على كُرسيهِ المُتحرك في مَوكبهِ المَهيب، تَتقدَمهُ أصواتُ (عِصي القَواسَه) بطرابيشهم الحَمراء دَاكنةِ اللّون ومن قبلِهم تتعالى أصواتُ قرعِ أجراسِ القِيامة لحظةَ تحركِ الموكبِ من دير الرّوم، أهلُ حَاراتِ القُدسِ يَعرفونَ مَاهية مَهابةِ المَوكب وشَخصيةَ صَاحبهِ ذيوذوروس الأول القَوية، يُسرعُ أصحابُ المَحلاتِ والدكاكينِ إلى الخارج لمشاهدةِ مَوكب البطريرك وإلقاءِ التحية عَليه ولو بإمائةِ الرأس، يَتجمهرُ السياحُ والحُجاجُ لأخذِ صُورٍ لصاحبِ اللحيةِ البَيضاءِ الطويلة، مِن كُلِ قاراتِ الأرض وجنسياتها يَحتشدونَ في سَاحةِ كنيسةِ القِيامة مُتراجعينَ لتركِ مَساحةٍ ليمُرّ المَوكب، صَحيحٌ أن البَطريرك المَريض يَرفعُ يدهُ المُتعبة للناسِ مُباركاً وعِندها كان يظهرُ ثوبهُ الداخلي (القُمباز) الخَمريُ اللّون، كانَ يَدورُ سؤالٌ في نفسهِ، أهيّ آخرُ سِيامةٍ أجُريها قبلَ رَحيلي؟ أهو آخرُ أسقفٍ أسِيمُهُ لكنيسةِ القُدس؟.

 

في ذاكَ القُداس تَعالت صَيحاتُ (أكسيوس) أي مُستحق، في اللحظةِ التي رفعَ البطريرك ذيوذوروس يدَ المُطران الجَديد فينيذكتوس (مُبارك) مُعلناً إستحقاقهُ للأسقفية.

 

مَرّت 25 عَام من الأسقفية كالبَرق، لأنها كانت سَنواتُ إنجازٍ وعَملٍ وبِناء بالنسبةِ للمِتروبوليت فينيذكتوس الذي جلسَ على كرسي القديس برفيريوس في غزة قبلَ أن يُنقَل إلى الأردن، كما بالنسبةِ لآخرينَ كُثر إجتمعَ رأيهم حولَ المُطران فينيذكتوس بأنه صاحبُ شخصيةٍ دبلوماسيةٍ جَامِعة، وحُضورٍ إجتماعي مُحَبب، فخِلال 18 عام مِن خِدمتهِ في الأردن كأسقفٍ كانَ قادراً دَوماً على حيازةِ مَحبةِ الفُرقاء قبلَ الأقرباء، نالَ ثقةَ الناس فقدموا جَزيلَ التبرعاتِ لكلِ المَشاريعِ التي إنخرطَ بها، فرممَ العَديد مِن الكنائس ورَسمها بالأيقونات، أقامَ العَديد مِن المَرافق الخدمية وأعمال التوسعة في الكنائس، في عهدهِ شُيدت كنائسٌ كان يُشرفُ شخصياً على بناءِ أحجارها وبالتفصيل.

 

لم تُشغله مَسؤولياتهِ في العاصمة عمان أو في باقي مُحافظاتِ المَملكة عن حُلمهِ في بناءِ الدّير الكبير على ضفافِ نهرِ الأردن في مَوقعِ المَغطس والذي أوكلَ اليهِ هذا المَشروع الأول في المَوقع الأمير غازي بن مُحمد، فحولَ المَكان القاحل هُناك إلى مساحةٍ خَضراء أقام فيها المَزارات والمُتحف والمَرافق الخدمية لزوارِ الدّير والحُجاج.

 

حَتى عِندَ شُغورِ كُرسي كَنيسة المَهد في بيتَ لحم، لم يَجدوا أفضلَ مِن المُطران فينيذكتوس وكيلاً بطريركياً فيها، والى الآن لم يَهدأ ولم تهدأ مَعهُ أعمالُ الترميمِ في كَنيسة المَهد.

 

لابُد وأن هُناكَ مَن لم يَتفق معهُ في أسلوبِ إدارتهِ، ولرُبما حَاصرتهُ ظروفٌ لم يَرغب في مُواجهتِها أو لم يَتمكن مِنها، ولكن يَبقى واقِعاً أن المُطران فينيذكتوس مِعمَارٌ وبَاني أينما حَل، الذي تَطبعَ مِن ذيوذوروس الأول بَطريرك القُدس، يَبقى فينيذكتوس الراهب العَامِل و المتروبوليت الوقور الحِافظ للتقاليد الرّومية الأرثوذكسية العَريقة الذي أحبَ الأردن شعباً وقيادةً ومازال، في ذكرى سيامتهِ الأسقفية ال 25 نقول إلى أعوام عَديدة.

 

(عمون)