موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٤

وقتل شعب آمن... أهي وجهة نظر؟

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

الأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط

د. ميشال عبس :

 

مرة أخرى أجد نفسي مضطرا الى التطرق الى نفس الموضوع حول الإبادة المتنقلة في منطقة المشرق الانطاكي.

 

منذ نهاية الثورة الصناعية، والحرب العالمية الأولى التي تلتها، والتي أدت تقاسم تركة الرجل المريض من قبل الغرب الصناعي، وورود البعثات الي هذه المنطقة السيئة الطالع، واخطرها وأكثرها مكرا لجنة كينغ-كرين، وبالتوازي مع المعاهدات التي اقتسمت هذه المنطقة وامعنت فيها تفتيتا، وأشهرها سايكس -بيكو، وشعوبنا لم تعرف الا الاستقرار ولا السلام، علما اننا بلاد السلام، حيث تجسد سيد السلام، النور المنبثق من نور.

 

جلس المستعمرون حول طاولة المؤتمرات-المؤامرات، واخذوا يرسمون خطوطا بالطول والعرض، أصبحت فيما بعد حدودا سياسية لامة تفتت الى شراذم شعوب. وكأن التآمر لم يكن كافيا، فعمدوا الى خلق كيان مصطنع، وكلفوه إبادة سكان البلاد، أصحاب الأرض، اسوة بما فعلوه بالقارات التي استعمروها. وكان ما كان من حروب ابادة ومآسٍ، في منطقة يسمونها مهد الحضارات.

 

إذا كان لا بد من إطلاق اسم حديث لهذه المنطقة، فيمكننا تسميتها نطاق القتل المتنقل.

 

بدأت تتضح عناصر المأساة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث جرى تقسيم فلسطين وخلق دولة عنصرية فيها، واضعين جزءا من شعوبنا التي تدين بديانة هذه الدولة، في حالة عداء مع باقي الشعب الذي عاش معه أكثر من الفين من الزمن.

 

المأساة الاولى هذه في المشرق الانطاكي، والتي نتج عنها مأسي لا تعد ولا تحصى، لم تكن سوى باكورة ما خطط ويخطط له في هذه المنطقة التي اجتمعت فيها كل مصائب السياسة في العالم.

 

حرب فلسطين، عبر تهجيرها لأعداد هائلة من الناس، انعكست بعد مدة من الزمن، اختلالا في التوازن الاجتماعي والسياسي في لبنان، مما أدى الى انفجاره واستشراء الحروب في داخله لمدة عقد ونصف من الزمن، وعندما توقفت مأساة لبنان، كان العراق قد انزلق الى منحدر حرب عالمية على قياس إقليمي، فخضع للحصار الذي دمره قبل ان تحتله القوى التي اشتركت في حصاره، وما زال يعاني من تبعات تلك الاحداث حتى اليوم، ولا أحد يدري متى تنتهي هذه المعاناة.

 

بالتوازي، اشتعلت في الشام حرب ضروس، دمرت وهجرت مناطق برمتها، وخلخلت التوازنات الاجتماعية والاقتصادية في الشام، وارسلت هذا الكيان المزدهر الى المجهول.

 

بعد ذلك، ومن جديد، اشتعلت الحرب في فلسطين، عام 2023، ثم امتدت الى لبنان، عام 2024، وما ان هدأ الوضع نسبيا في لبنان، حتى اشتعلت من جديد الحرب في الشمال السوري، وهكذا دواليك.

 

هل كل ذلك صدفة؟

 

انه مخطط الدمار والقتل المتنقل! لكل دولة دورها ونصيبها من الخراب والتشرد والبؤس.

 

هل هي صدفة ان تحول المشرق الانطاكي، خلال عقدين من الزمن، الى امة من سكان المخيمات؟

 

هل هي صدفة ان تتحول هذه الدول وهذه المجتمعات المزدهرة الى الاستدانة والفقر والتشرد؟

 

كل ذلك جزء من مخطط، حيك بدقة متناهية، من مجرمين عسكريين واقتصاديين، في غرف سفلية قاتمة، من اجل السطو على هذه المنطقة، وعبرها على العالم العربي، وما سمي "الربيع العربي" لم يكن سوى جزءا من المخطط.

 

الشعب الآمن في منطقتنا، والذي يخضع للإرهاب والمجازر منذ أكثر من قرن، لا ذنب له الا انه وجد في المكان الذي تستهدفه المطامع. ولكن هذا المكان هو وطنه، ولن يبرحه، وسوف يدافع عن وجوده حتى قيام الساعة.

 

يبشروننا بالسلام وهم يحضرون لنا الحرب، والمؤسف ان كل مجترحي الحروب في منطقتنا، لن يكونوا هنا يوم يحاسبهم التاريخ، وليس لنا سوى عدالة السماء ان تنصفنا.

 

هو العلي القدير، الذي يعلم ما في الخفاء، هو القدوس، وهو نعم الوكيل.