موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٢ مايو / أيار ٢٠٢٣

معضلة الهجرة والاندماج في أوروبا

كاتب أردني مقيم في بلجيكا

كاتب أردني مقيم في بلجيكا

مالك العثامنة :

 

مشكلة أوروبا التي لم تناقشها بعد (وهي مشكلة حسمتها الولايات المتحدة الأميركية بحلول عملية منذ زمن طويل)، هي مشكلة ما بعد اللجوء والهجرة، مشكلة الاندماج في المجتمعات الأوروبية.

 

تنفق أوروبا أموالاً طائلة على برامج الاندماج المجتمعي، لكن تلك الأموال المهدورة فعلياً لا تحقق غايات توظيفها، فأوروبا لا تزال قلقة من فكرة الجيوب القومية والدينية النائمة والرافضة للقيم الأوروبية والمنغلقة على ثقافاتها القومية أو الدينية، والتي يمكن أن تتحول إلى خلايا نائمة قادرة على الاستيقاظ لتشكل تهديداً أمنياً حقيقياً للدول الأوروبية.

 

مشكلة أوروبا هي في تعريف المفاهيم ومواجهتها على حقيقتها دون «تزويقها» بمنظومة قيم مثالية، فهل أوروبا أمام هجرات اقتصادية، أم أمام أزمة لجوء تتدخل فيها معطيات سياسية معقدة أكثرها خطورة السياسات الابتزازية بفتح الأبواب لموجات اللاجئين وهو ما يسبب الضغط على العصب الأوروبي؟

 

ما هو الموقف السياسي العام والشامل لأوروبا كمنظومة في أزمة الشرق الأوسط؟ كثيرون مثلاً بعد عام 2013، اتهموا فكتور أوربان رئيس وزراء المجر بالشوفينية، لكن بعد سنوات من تصريحاته الغاضبة حول أزمة اللجوء وسياساته التي أغلقت المجر في وجه اللاجئين، فإن أوروبا تجد نفسها في وضع حرج، فالمجر – حسب كثير من الأوروبيين الذين أستمع لهم - كدولة فقيرة اقتصادياً هي الأكثر أمناً في أوروبا، بينما ألمانيا بكل قوتها الاقتصادية أكثر قلقاً! وطبعاً هذا لا يعني أن كلمات «أوربان» القاسية ضد المهاجرين واللاجئين كانت مقبولة، لكنه في النهاية عبّر عن موقف يزداد اتساعاً وانتشاراً في وسط وغرب أوروبا، وهذا الموقف بدأ يتشكل كتيار سياسي متكامل.

 

غالباً، ما يتم توجيه النصح الأوروبي للولايات المتحدة في كثير من السياسات، بل وكثيراً ما شكلت التجارب الأوروبية مرجعية لسياسيي واشنطن، لكن في موضوع الهجرة واللجوء، ربما نجد الحالة معكوسة قليلاً، فالولايات المتحدة قد تكون مرجعية مناسبة لأوروبا للتعلم والبدء ببناء سياسات جديدة.

 

بعيداً عن كل ما يقال في الإعلام، وبعيداً عن طفرة «إدارة ترامب» في موضوع الهجرة..لكن في المحصلة فإن الولايات المتحدة الأميركية لها تاريخ قديم يعود إلى عام 1820، موثق بالأوراق الرسمية وهي متاحة بإحصائيات منشورة تكشف أن جغرافيا العالم الجديد تحملت منذ ذلك التاريخ خُمس حجم الهجرات البشرية في العالم، ولا تزال!!

 

إن المهاجر إلى أميركا منذ بدايات تشكلها كان يبحث عن تحقيق حلمه بالعيش الذي يستحقه ضمن منظومة إندماج شكلتها ما تم تسميته فيما بعد، بالحلم الأميركي، ولم يكن بين كل هؤلاء من فقد عقله ليهاجر بحثاً عن بيت مجاني وسيارة مجانية وراتب بطالة مرتفع مثل ما يحدث في بعض دول الرفاه الأوروبي.

 

المشكلة في أساسها تكمن في من يبحثون عن أوهام الفردوس الإلهي في جغرافيا الكوكب الذي نعيشه. ومفهوم الهجرة مفهوم اعتباطي يرى في المهاجرين كتلاً بشرية متنقلة من مكان إلى آخر، أو مفهوم ذكي وعميق يرى في الهجرات معتقدات متفاوتة في تطرفها وجذورها تحاول تصدير نفسها بالانتشار لتغيير العالم.

 

(الاتحاد الإماراتية)