موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
مقدّمة: في خضمّ هذا العالم معركة، بين النّور والظّلمة، بين الشّيطان وملائكته وبين أبناء الحقّ والمحبّة والحياة، بين الإنسان العتيق والإنسان الجديد، بين القداسة والنّجاسة، في خضمّ هذا العالم معركة، وفي وسط المعركة قرارات ومواقف، تَكتُب إمّا فشل وإمّا إنتصار، وترسم أمام الله والزّمان حكاية إسمها أنتَ وأنتِ وأنا! العالم والمسيح: قال بولس الرّسول، برسالته إلى مؤمني غلاطية، "نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ الآبِ، وَمِنْ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِ خَطَايَانَا، لِيُنْقِذَنَا مِنَ الْعَالَمِ الْحَاضِرِ الشِّرِّيرِ حَسَبَ إِرَادَةِ اللهِ وَأَبِينَا"، فقد أدرك بولس وعَلِم أنّ فقط نعمة وسلام المسيح قادران أن ينشلاننا من شرّ هذا العالم، وأن يجذباننا إلى ما هو أسمى وأرقى وأجمل وأخلد، وأن فرح الرب هو قوّتنا الحقيقيّة (راجع نحميا 8، 10) واقع الحياة ومعركتها: حين نتقدّم فهمًا وخبرةً ونموًّا، تسقط من أمام أعيننا أوهام كثيرة، ويسمح الرّب بأن نعبر بألم شديد لكي نعي سرّ ذواتنا، سرّ العالم وواقع الحياة. وكما قال سمعان الشّيخ للعذراء مريم "وأنت أيضاً سيجوز سيفٌ في نفسك، لكي تنكشف الأفكار من قلوب كثيرة" (لو 2 /34 - 35). فنجد أنّ العالم على غير ما ظننّا، وأنّ التّحدّي أكبر وأشرس وأقصى، ونعي ما قاله بطرس "إنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ" (1 بطرس 5: 8) وعلينا أن نسهر ونصحو جاهدين لصدّ هذا التّهديد الرّوحي اليومي لنفوسنا عالمين أنّ الرّب لم يعِدْنا بسلامٍ على الأرض (متى 10: 34) بل نبّهنا من سيف أبناء الظّلمة الّذين سيقاومونا عن قصد أو جهل، لأنّهم لا يريدون الحقّ والنّور والحياة. بين وهم الإلحاد ونور الحقيقة: قال البابا فرنسيس عن مكائد الشّيطان بحسب الكتاب المقدّس: "هذه ليست كذبة.. هذا كلام الرب، لنطلب منه النعمة لكي نأخذ هذه الأمور على محمل الجد. فقد جاء يسوع لكي يناضل من أجل خلاصنا وانتصر على الشرير. يجب ألا نعقد صفقات مع الشرير.. وإلاّ سندفع النّتائج".. من هنا يدعونا الرّب بكلمة تعزية وتشجيع، "سيروا في النّور ما دام لكم النّور"، ويعزّي بولس المؤمنين بأنّ "إِلهُ السَّلاَمِ سَيَسْحَقُ الشَّيْطَانَ تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ سَرِيعًا" (روما 16: 20)، الثرثرات القاتلة: كثيرا ما تقع مجتمعاتنا الشّرقيّة بخطأ الإدانة الجسيم والثّرثرة القاتلة والمماحكات الّتي لا تهدف لمعرفة صافية ومتواضعة للحقيقة، وتكون بذلك سلاح ضدّ الإنسان والإنسانيّة، فعوض أن تقف مع يسوع لخلاص السّاقطين، تقف مع الشّيطان لإيقاع التّائبين، وهنا يقول الرّب لنا "الويل لكم.. تغلقون ملكوت السماوات في وجوه الناس، فلا أنتم تدخلون، ولا تتركون الداخلين يدخلون" (متّى 23، 13)، ف"انظروا ما تسمعون بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزاد لكم أيها السامعون لأن من له سيعطي وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه" (مرقس 4، 24) يسوع معنا لأجل خلاصنا: لقد أتى الرّب يسوع بعظمته وجلاله كي ينقذ الجنس البشري بحبّه وحنانه، أتى لينشُلنا من ظلمة خطايانا، من سلطان إبليس وبهتان العالم، أتى ليعطينا الرّجاء بقوّة ويفتح لنا آفاق الأبد من جديد، أتى ليكسبنا تأشيرة الدّخول للفردوس المفقود، وليعالج كلّ ما سفكته يدتانا من حُرمة طبيعتنا المخلوقة على صورة الله المقدّسة. وهو يقول لنا الآن"سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ" (يوحنّا 16، 33) فأنا الطّريق والحقّ والحياة (يوحنا 14: 6). إنّ الرّب يسوع يريد أن يقيمنا الآن وبكلّ سقطة نسقطها وللأبد، فهو الكلمة و"النور الحقيقي الذي ينير كل انسان.."( يوحنا 1، 9)، القادر أن ينتصر فينا نحن الضّعفاء، كقول الرّسول بولس الطّرسوسي المَولد، الجشّيّ الأصل: ".. لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفية ليكون فضل القوة للَّه لا منّا" (2 كو 4: 7)". أنين النّفسة التّائبة بالرّب: أمام ضعفنا نخاطب أنفسنا مع بني قورح، "لماذا تَكتَئبـينَ يا نفْسي؟ لماذا تَئِنِّينَ في داخلي؟ إرتَجي اللهَ لأنِّي سأعود وأحمَدُهُ وهو خلاصُ وجهي وإلهي" (مزمور 42، 6) ونصرخ للرّب: "قُمْ أَيُّها السَّيِّد، لماذا تَنامُ؟ إستَيقِظْ ولا تَنْبِذْ على الدَّوام، لماذا تَحجُبُ وَجهَكَ وتَنْسى بُؤسَنا وضيقَنا؟ فإِنَّ نُفوسَنا بِالتُّرابِ تَمرَّغت وبُطونَنا بِالأرضِ لَصِقَت، فقُم لِنُصرَتِنا ومِن أجل رَحمَتِكَ اْفتَدِنا" (مز 44، 24 - 27)، ونصلّي بثقة عالمين أنّنا رغم كل الآلام والتّجارب فإنّ "فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا" (رو 8: 37)، وأنّ "رَبُّ القُوَّاتِ مَعَنا إِلهُ يَعقوبَ حِصْنٌ لَنا" (مز 46، 8) وأنّ الرّب وعَدَنا "أنّ مَن يُقَرِّبُ ذَبيحَةَ الحَمْدِ يُمَجِّدني ومَنِ اْستَقامَ طَريقُه أريه خَلاصَ الله" (مز 50، 23) خاتمة: في خضمّ هذا العالم معركة، ونحن في وسطها، وحولنا اجتذابات كثيرة، لفوق ولأسفل، فينا إنساننا العتيق الّذي يئنّ للخطيئة، وفينا إنساننا الجديد الّذي من فعل العماد والرّوح يئنّ للخلاص، حولنا من يشدّنا للرّب وهم لربّما قلائل، وحولنا هول من الفساد الّذي يشدّنا للحضيض، ولكن معنا الرّب يسوع الّذي يرجّح كلّ كفّة ميزان لصالح الحق والقداسة، وبه وبنعمته نعم نستطيع، فلا نستسلم لخطايانا، ولا نستسلم لتأنيبات العالم وتحقيرات الشّرير، بل لنصنع بالمسيح يسوع حضارة المحبّة والإنتصار، حضارة الرّوح والرّجاء، لنشيّد معًا بنيانا مقدّسا يُعدّ للمَلك الآتي والّذي أتى والحيّ أبد الدّهور، الّذي له شكرنا وحمدنا ومجدنا وحبّنا الآن وإلى الأبد.