موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٢٢ فبراير / شباط ٢٠٢٣

معا نصوم ونحيا..

بشار جرار

بشار جرار

بشار جرار :

 

هذا العام أيضا يتقاطع صيامنا: الصوم الكبير ورمضان الفضيل. هذه نعمة حقّ لنا أن يعمّ خيرها الجميع، الصائمين وغير الصائمين ولأي سبب أو عذر كان. ما يعنينا ما نتركه كمؤمنين، كأردنيين -مسيحيين ومسلمين- من أثر طيب في نفوس الآخرين. الغريب والقريب واحد في كثير من ثمار إحدى أسمى الطاعات، وأنبل العبادات، الصيام وما يرافقه من أعمال الخير والبر والإحسان. قطعا «الأقربون أولى بالمعروف» ووفق لأولويات لها أهلها، علما ودراية وأمانة..

 

مع نشر هذه السطور، يحل الأربعاء ويعرف لدى الكنائس الغربية بـ «أربعاء الرماد». تحرق سعف أحد الشعانين ويحتفظ برمادها إلى زمن الصوم الكبير الذي يتوج بالعيد الكبير، عيد الفصح المجيد، عيد القيامة..

 

بتفاوت بين بعض الكنائس الشرقية والغربية وبعض المذاهب الإسلامية قد ينتهي الأمر بفارق بمواقيت الصومين، لكنها تذكّرنا بأننا «من تراب وإلى تراب»، وفي ذلك رمزية أربعاء «الرماد». نصوم لنحيا ونزداد قربا من رب العالمين الغني عنّا جميعا والقائل في جميع رسالاته بخصوصية الصوم كعبادة.

 

تعرفت عبر حياتي الشخصية والمهنية على أنواع كثيرة من الصيام الديني والطبي (كالصيام المتقطّع)، وأشكال أكثر من الصائمين ومن مختلف الأصول والمنابت الروحية والفكرية والاجتماعية. سأخص ما عرفته من التجربة الأمريكية لاعتبارات أرى فيها أمثلة جديرة بالتأمل، وليس بالضرورة اعتمادها كليا، فلكل مجتمع خصوصيته.

 

كونها دولة مدنية علمانية، ثمة فصل في أمريكا بين المعتقد الديني وممارسة شعائره وعباداته وهي مضمونة للجميع دون تمييز، على ألا تقتحم الفضاء العام على حساب الآخر أو في أي مكان ينفق عليه من الميزانية الفدرالية أو الولائية أو المحلية. فلا تغلق مثلا، محلات اللحوم أو الألبان والأجبان أربعين يوما. ولا يطرأ تعديل على وجبات العاملين في القطاعين الخاص والعام بما يلبي احتياجات الصائمين.

 

ولمن قال بفوارق القياس لاعتبارات قانونية أو سياسية، نتوقف معا مع ما يجمعنا، وهو احترام حق الآخرين في العبادة دون فرضه على أي كان. وإسقاط فرضية أن الصائم يحترم صيامه، بإخفاء ما يحرم نفسه منه، عنه. في الأيام العادية، بيننا كثيرون ممن ولأسباب مرضية، حرّم عليهم الطبيب أكل اللحوم أو الحلوى وحتى الإقلال في شرب السوائل، فما الفرق إن كانت المحبة والاحترام، مصانة ومصون..

 

المثال الآخر الذي أحببت طرحه، ما عرفناه صغارا بـ «صيام درجات المئذنة» الصيام لآذان الظهر فالعصر فالمغرب بتدرج يقرره الوالدان لا أي سلطة أخرى، لا شرعية ولا تشريعية .. حدثت أخا عن ذلك الصيام «التربوي الأسري» فشاركني بما هو شائع بين المسيحيين الأمريكيين من شتى الطوائف، وهو الامتناع أو التخلي عن شيء تتعلّق فيه النفس، طوال زمن الصوم أو في إحدى أيامه أو كل جمعة. كتدريب الأطفال واليافعين على الإقلاع المؤقت عن ال «دوناتس» تلك الفطائر الحلقية المحلاة، أو الفطام المؤقت من التدخين أو الكحوليات للبالغين.

 

المثال الآخر وهو ما أحث عليه برجاء لا بشدة، فهو الصيام الإلكتروني. أربعون يوما تزيد أو تنقص، أو يوما واحدا في الأسبوع على مدار العام، فرصة للتعافي من أمراض الألواح الذكية والعالم الافتراضي. فرصة نقرأ فيها أكثر كتبا وصحفا. فرصة -وهي الأهم- للحديث مع أسرنا وزملائنا وأصدقائنا وجيراننا أكثر.

 

لا يفوتني ذكر نوع آخر من الصيام المعروف لدى بعض الطوائف الروحية أو «الصوفية» هو الصوم عن الكلام. ويا له من صوم عظيم لا يقوى عليه إلا أولي العزم.. فالصمت أبلغ، وفيه سر الأسرار لدى العارفين..

 

كل عام وبلادي والعالم كله بخير، وفي صيامنا الخير كله..

 

(الدستور الأردنية)