موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
تنقل لنا الاخبار مشاهد مختلفة عن تعرض مسيحيي سورية الى الاضطهاد وللعنف الطائفي.
وهل -إن صح ذلك- يراد أن يهجر مسيحيو سورية، وشيوع ما يتردد عن حماية المسيحيين بالسماح لهم بالهجرة الى بلاد الاغتراب؟
ومن احتفالات رأس السنة واعياد الميلاد، والاخبار تتوالى عن اعمال عنف طائفي ضد مسيحيي سورية. تهجير المسيحيين مطمع وهدف استعماري قديم. اليوم، لا أحد في امريكا والغرب يتحدث عن معاناة مسيحيي سورية. و كما لو أن هناك هدفا الى اخلاء وتفريغ سورية من المسيحيين. و بعد غزو داعش الى سورية والعراق وجد المسيحيون انفسهم في خطر وجودي.
وتم تهجير مئات الاف من مسيحيي العراق وسورية الى اوروبا ودول الغرب.
مسيحيو سورية ولبنان، هم من فتحوا "بوابة الحداثة". وهم اول من شكلوا الوعي بالاخر، ونتيجة لوعي بالذات الوطني والقومي، والتفاعل مع الاخر، وولدت الحداثة العربية من سورية ولبنان، وتأسست الدولة الوطنية، والتي تواجه اليوم افلاسا وانهيارات كبرى.
وما تناهى الينا من اخبار من سورية وتداول على وسائل التواصل الاجتماعي تطرف ديني، ولشارع محتقن ومعبأ طائفيا. ودعوات الى فتنة عمياء، وحمل السلاح ضد الاقلية المسيحية.
وهل تحتاج سورية الى مزيد من الام القهر والعنف الطائفي، والام الترحيل لمسيحيي سورية، وهم الحاضنة الكبرى لمسيحيي المشرق، وبعدما استهدف المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة تهجير مئات الاف من فلسطينيي بيت لحم والقدس والضفة الغربية؟ الدفاع عن مسيحيي سورية، هو دفاع عن مسيحيي المشرق العربي من سورية الى لبنان والعراق والاردن وفلسطين. إنه دفاع ضد أي تأجيج طائفي يأخذ هذا المنحى المروع. والمسيحيون ابناء ارض واحدة، وهم اهل الارض الاولين. وإذا ما قرأتم عبقرية الجغرافيا، ودورها في صناعة التاريخ والازمنة.
ليس المسيحيون وحدهم في خطر. الاقليم كله في خطر. وما تعجز عنه اسرائيل واحلامها التوراتية والتلمودية لازالة مسيحيي المشرق وتهجيرهم، ونحو مشرق عربي خال من المسيحية، وهو حلم توراتي، تقوم به اسرائيل، واذرع اخرى تخدمها وتمهد لمشروعها التوراتي الكبير في الاقليم. لعبة الاستعمار الجديد تعود مرة اخرى، وعلى الاخص من مدخلها السوري، تقسيم وتمزيق خرائط، وولادة لهويات فرعية وطائفية واثنية.
يبدو أن كثيرين مغمضو العينين وتفكيرهم مسدود، ولا يبقى في اذانهم الا ما يتردد من كلام زائد وخال الدسم على الفضائيات. وخطب تحريضية، وتدفق لخطاب يريد تحويل الاوطان الى ساحات للقتال وتفكيك الارادة الوطنية، وتحويل الشعوب الى قطعان. لا امريكا ولا اوروبا تهتم بمسيحيي سورية وفلسطين والمشرق العربي، ورأينا في حرب وابادة غزة، وأن دول الغرب لم تهز ساكنا لما يجري من ابادة وتدمير للكنائس المسيحية.
واذا ما فرغت سورية من المسيحيين، فلا شمس سوف تشرق ثانية على بلاد الشام والمشرق العربي.
(الدستور الأردنية)