موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠٢١

ما جمعه الله لا يُفرِّقه إنسان

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
ما جمعه الله لا يُفرِّقه إنسان

ما جمعه الله لا يُفرِّقه إنسان

 

الأحد السابع والعشرون (الإنجيل متى 10: 1-16)

 

الزّواج والعائلة هما أوّل وأقوى مؤسّسة في المجتمع والكنيسة وليس من اختراع البشر، أوجدها الله لإسعاد الإنسان وفائدته، فبوسعها أن تكون جنّةَ الإنسان على الأرض، أو أيضا جحيمَه. فهي مرآة القلب الغير منظور، إذ القلب هو منبع الحبِّ أو البغض. الزواج هو اختيار شريكٍ للحياة، وهو كاليانصيب: فإمّا هو ربح أوخسارة. والإختيار مُعرّض دائما للخطأ. من هنا رغبة التخلّص من هذا الخطأ، الذي كان مُمارَسا, ببركة موسى(لقساوة قلوب الرّجال على نسائهم). لكن أيضا، بما أنه لم يكن واضحا للجميع، أن الطّلاق، كان مُتنازعٌ عليه، وليس القاعدة العامّة، لحلِّ مشاكل الزواج، جاء سؤال الفريسيين، الذي كان بمثابة فخ، نصبوه ليسوع، نقدر أن نفهم، أنَّ حياة العائلة في ذلك الزّمان، ما كانت أحسن منها اليوم. فيبدو أنّ الطّلاق كان من المشاكل اليومية في المجتمع. لكن هل كان النّاس سعداء، فهذا سؤالٌ آخر، إذ ليس كلُّ ما كان يسمحه رؤوساء الشعب أو يُحلِّلوه، منسوبا لموسى أو لقوانينه، هو الصحيح. أمّا يسوع فقال للسّامريّة: "كان لك خمسة أزواج، والّذي لك الآن هو ليس زوجُك" (يو 18:4). وسؤال الفريسيين هو سؤال الكثيرين اليوم، إذ الإحصائيات تقول، إنَّ ثلثي الزيجات، أقلّه في الغرب، تنتهي بعد فترة قصيرة، بالفشل والطّلاق. تُرى، على افتراض أن يسوع يعيش اليوم بيننا، ونوجّه إليه نفس سؤال الفريسيين، فهل هو نظراً لتصرّف النّاس مع الزّواج، سيغيّر رأيه، ويُرضي النّاس، ويُطلق العنان لرغباتهم ، كما فعل موسى مع شعبه ورضوخُه لمطلبهم؟. إني أقول، مَن يأتيه هذا التفكير، هو لم يفهم بعد، من هو يسوع. فهو ليس قانونيّا، يُغيِّر القواعد العامّة ويبدِّلُها، حسب ظروف الزمان، التي يعيشها البشر. مثلا هل سيعترف بزواجات التجربة المؤقّتة، التي رفضها البابا القديس يوحنا بولس الثاني، بكلمته المشهورة: لا يوجد زواجات مؤقتة، ولا زواجاتُ تجربة!. هل سيقبل بتبديل قانونه هو: يترك الرجل أباه وأمه ويلزم امرأته؟ لا غيّر ولا بدِّل. بل وقتل المعوقين في الجنين؟ هل سيقبل ما حلّلته البرلمانات الآن في العالم لشعوبها: مثل السماح بالزواج المثلي، واعتبار حقوقه كالزواج الإلهي؟ هل سيسمح يالإجهاض، الذي عادت القوانين البشرية تٌحلِّلُهه ، ولا تُقاصص مُقترفبه، تحت طائل التدخّل في أمور الحرّية الشخصيّة؟ هل سيقبل بِحكّام وشخصيّات مُهمة في المجتمع، كالسّياسيّين والرّياضيّين، بتبديل 4 إلى 5 زوجات في الحياة؟ سخيف العقل من يفتكر أن الله سيُغمِض الجفن عن قوانين المصلحة هذه. يسوع هو ابن الله، وما علّمه، هو أبدي، لا تزول منه ياءٌ أو نقطة، حتّى نهايةِ العالم، وحتى يتِمَّ كلُّ ما عناه، وهو كالوصايا العشرة ثابتة لا بديل لها. فكلمته: ما جمعه الله لايُفرِّقه إنسان، هي لكلِّ جيلٍ وإلى الأبد. حتى الكنيسة لا تقدر أن تَحلّ عقد الزّواج للِمُعمّدين، إذا كانت كلُّ الشّروط قبل عقده، وافية وصحيحة، أعلنتهم هي زوج وزوجة ببركتها.

 

كلُّ الأزواج، حينما تسألهم: ما كان اجمل يوم في حياتكم، تسمع نفس الجواب، من كلِّ الأفواه، كاللازمة في أغنية معروفة: يوم زواجنا! والسبب هو ارتباطهما بالمحبّة الكاملة لبعضهما البعض، والوعد لمساندة بعضهما في السّراء والضرّاء، على هذا الطّريق، الّذي اختاراه، لمدى حياتهما. فَهُما، وإن غاب عن بالهما، يقبلان سرّا مُقدَّسا، إسمه سرُّ الزّواج، أي مُؤسَّسٌ على بركة الله، التي منحها لآدم وحواء، ليُحبّا بعضهما بعضا، ويتعاونا في شراكة الحياة. فمِن هنا نفهم، أن زواجا مُباركاً قائماً على المحبة، التي قال عنها القديسون، هي قويّة كمحبّة الله للبشر، لا يجوز زعزعتُها. فالأساسٍ متين، إذن ستدوم هذه المحبّة، ببركة الله إلى النهاية. مِن هنا طقسُ منح هذا السّر، الذي فيه ُتعلِن الكنيسة سّر الزواجَ زواجاً، بعد ما تسأل كلّ واحد علنا، وتسمَع من فمه، وذلك أقلَّه قدّام شاهدٍ من كلِّ جهة. يا فلان! هل تريد.أنْ تقبل فلانة، زوجةً شرعيّةً لك، وتبقى أمينا لها في السرّاء والضرّاء، فيالمرض والصّحة... طيلة أيام حياتك؟ِ فبعد إعطائِهما التأكيد الحر ّ بكلمة نعم، تُسمعهم الكنيسة كلمة يسوع: ما جمعه الله، لا يفرّقه إنسان. مَن يرى العروسين في تلك السّاعة، كم هما سعيدين، كأنهما في السّماء السابعة، كما في أفلام هوليوود الإستهلاكية، التي يشاهدونها. لكن من بفتكر في تلك السّاعة، بما ينتظرهما من مسؤوليّات وواجبات يومية، ولنقل وصعوبات؟. فما هي إلا فترة، وتتفتح عيونهما على واقعٍ، ما كانا افتكرا فيه أو خطر على بالهما، فيبدو الإندهاش أمام هذا الجديد، فيصحيا كَمِن غفوة، لا يدريان ما هو أمامهما، ويعرفان أنَّ الزواج، هو أكثر من فستان أبيض وبدلة سوداء، في زيارة قصيرة للكنيسة، أمام أصدقاءٍ مٌحبَّذين، يتبعها وليمةٌ فاخرة وحُلويات.

 

أكرِّر وأقول، من يراهما في ساعة الإكليل سُعداء بلا حدود، لا يخطر على باله ولا يريد أن يُصدِّق، أنه وبعد بضع سنوات قصيرة، قد زالت السّعادة، وحلّتْ محلَّها التعاسة، بحيث ابتدأت صعوبات الحياة اليومية، تعلو فوق رؤوسهما، خاصة وإذا كان الطّرفان يُشغلان وظيفة، فما يعود لديهما الوقتُ الكافي، ليَجلسا سويّة، ويناقشا حلاًّ مناسباً، للمشاكل العائليّة. فإما أن يبدأ الصّمت تحاشيا للمناوشات، أو، كلّ في خُلوته، يصير يترقّب أيَّ عذر،ٍ لطلب الإنفصال والطّلاق، وإنهاء عقد الحياة، الّذي لا يحقُّ لإنسانٍ أنْ يحلُّه، أو كما قال المثل إلى قتل الحب الّذي ابتدأت به حياتُهما. بالإختصار، بدل المحبة، التي لا حدود لها، يبدأ قانون المحاكمة: هذا جائز، هذا غير جائز!، الذي يُنهي المحبّة نهائيا، ولا يبق إلا ما هو معروف في الإسلام، قانون الطّلاق الظالم، الّذي يتم بسهولة، أي بالتلفّظ بالكلمات ثلاث مرّات عالية مسموعة: طالقة! طالقة! طالقة. أظن، أن هذه، كانت حالة الفريسيين، لما سألوا يسوع: هل يحقُّ الطلاق لأية علّة؟ فيعارض يسوع هذه الفكرة، بتذكيرهم: في البداية لم يكن هكذا. من طلّق فقد زنى، ومن تزوّج مُطلّقة فقد زنى!....لذا يترك الرجل أباه وأمّه، ويلزم امرأته. فالمرأة بدون رجلها هي فقط نصف امرأة، والرجل بدون زوجته، هو فقط نصف رجل. سويّة فقط يمكنهما أن يصيرا ويبقيا سعداء، لا مع تغيير الشّريك.

 

 فيا تُرى، أما هو عار، أن يُخلَّ الإنسان بوعده، خاصة في موقف مهم؟ فمثلا. جندي يحلف اليمين ليخدم وطنه يإخلاص، وفجأةً يتحوّل إلى خائن. مثلا عند تنصيب رئيس حُكومةٍ جديد، يحلِف أمام الملايين من المشاهدين، أن يخدم بلده بأمان وإخلاص، ولكنه ما أن يبدأ عمله، حتّى يباشر باعتقال وتعذيب المعارضين. فهل هنو جالس على عرش الحكم لهذا؟ ألا يدلُّ هذا على عدم صدقه وفقدان الثقة فيه؟ الوفاء بالوعد فضيلة كبيرة. فالزوجان يعدان بعضهما المحبة الكاملة، التي لا شبيه لها إلاّ بمحبّة الله للبشر. لذا يقول بولس: يجب على الرّجل ان يحب زوجته كما احبّ المسيح الكنيسة، وعلى الزوجة ان تحترم زوجها وتخضع طواعية لقيادته في الأُسرة.

 

خطأُهما أنّهما يظنان أنَّه لا يوجد طريقٌ آخرُ سوى إنهاء العقد، وينسيان أن هناك حلاًّ أفضل، وهو بداية جديدة، إذ هما إمّا يخسرا أو يربحا سوية، شيئا جديداً، وهو الإنسجام. ففي الزواج لا يوجد رابح أو خاسر، بل هما الإثنان إمّا يربحان أو يخسران. قال عالم نفسي سويسري اسمه يونجز: الحب، على جماله، هو أصل أكبر ألم البشر، ومع ذلك لا يجوز الحياء منه.

 

أما قال يسوع: ليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا! ويقول المثل العامّي: الإنسان بالّلسان. هناك مناسبات مهمّة في الحياة، لا تسمح لنا أن نستهين بوعد مهمّ أعطيناه، وإلا ينهار أساسُ حياتِنا ومستقبلِنا. لذا يجب التّروي، عند ما تداهمنا صعوباتٌ او ظروفٌ، ما كنا حسبنا لها حسابا، فلا نظنَّ منذ البداية، أن حلّها مستحيل، إذ ليس من مستحيل عند الله، فهذا يعني ليس فقط إعلانُ ضعفِنا، وإنّما سؤُ نِيَّةٍ مُبطّنة من الجانب المُخطئ.

 

الله خلق الزّواج لإسعاد الطرفين، وذلك بمشاركة حياتهما اليومية، بحلوِها ومُرِّها، ما دام الطرفان على قيد الحياة. لكن للنّجاح لا بدَّ من شروط بدائية، تأتي بنتائج مقبولة. على رأس هذه الشروط، هو الحديث اليومي مع بعض، عن كلِّ ما يجري في الحياة اليومية. فهذا يقود إلى الثقة المُتبادَلَة، واكتشاف قوّة أو ضعف الشّريك، ليتكاملا عند عرض الحلول أو الإقتراحات. يقول عُلماء النفس إن الصّمت يُخيف اكثر من الحديث، حتى وإن كان هذا مع ضجيج، إلا أنَّ العلاقة تبقى دائمة، ومن الأرجح أن تتحسّن، حينما يُبدي كلُّ طرفٍ وُجهة نظره، ثمَّ لا بدَّ أن تهدأ الأمور. فما جمعه الله، لا يفرِّقه إنسان. آمين