موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
عندما تسلمت رئيسة بلدية باريس، آن إيدالغو، العلم الأولمبي في حفل اختتام أولمبياد طوكيو في مثل هذا اليوم من عام 2021، أعلن حينها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حكومته ستفرض على كل طلبة المدارس نصف ساعة من الرياضة يومياً.
ولا أعرف إن كانت تلك النصف ساعة الرياضية اليومية هي كلمة السر أو المفتاح في التفوق الكبير والمثير لفرنسا في هذه الأيام وتقدمها من المرتبة الثامنة في طوكيو إلى المرتبة الثالثة في المجموع العام لميداليات أولمبياد باريس 2024 بعد الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية.
تجيء أولمبياد باريس في ذروة انهماكنا بمتابعة الحرب وظلالها، ولكني حين أود أن أتنفس قليلاً كي أمنح نفسي جلدا على تحمل ذلك القلق القاتل أنتقل على خجل إلى قنوات الرياضة مقتنصا بعضاً من المشاهد في رياضات أحبها كالسباحة وكرة التنس والريشة الطائرة والقوس، وكم أشعر بالبهجة حين أرى دموع الفرح تنداح في عيون الحاصدين الذهب والفضة والبرونز.
ذلك الهروب الخاطف لا يمنعني من أن أتلقى ضربة سؤال يخزنا ويهمزنا جميعا، لماذا يغيب أبناؤنا عن منصات التتويج؟ لماذا لا يكون أبناؤنا ضمن هؤلاء الأبطال الذين كرسوا حياتهم من أجل لحظات يرتفع فيها علم بلدانهم على وقع أنغام نشيدهم الوطني؟ ما الذي ينقصنا؟ وأين كلمة السر والمفتاح والخلل؟
ربما تعطي النصف ساعة الرياضية الفرنسية مؤشرا واضحا على أن المدارس هي الفيصل في انتزاع البطولات وحصد الذهب في البطولات العالمية لأنها المرتكز لكل تفوق قبل الجامعة والأندية.
وأتذكر أن حصة الرياضة في المدرسة كانت الأجمل في الحصص. فهي فضاؤنا الأرحبُ، وميداننا المفتوح على الشقاوة والضحك والتنافس. لكنها كانت حيطاً واطئاً يقفز عنه الجميع، دون رهبة أو تحفظ. فما أسرع أن تتحوّل بإشارة من المعلم المناوب أو المدير إلى حصة رياضيات أو علوم أو دين؛ إن كان هناك تأخيرا في مسار هذه المواد، أو لم يكن. الرياضة كانت تعامل وكأنها زائدة على جدول الدروس الأسبوعي، ولا يوازيها ضعفاً إلا حصة الفن، أو حصة ما يسمى «الفراغ» حين يغيب معلم أو معلمة.
تتصدر الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الدول الأكثر تحقيقا للميداليات الأولمبية عبر التاريخ برصيد 2629 ميدالية متنوعة ما بين ذهبية وفضية وبرونزية، وهو ما يعكس تفوق نظامها الرياضى القادر على فرز وإنتاج أبطال حاصيدي الذهب والفضة والبرونز، في حين لم يحصد العرب سوى 18 ميدالية، وهو رقم هزيل؛ إذا ما قورن بعدد السكان، أو ما تعنيه الرياضة بالنسبة لهم.
ربما أن الاهتمام غير المثمر الذي صببناه طيلة العقود الماضية على لعبة كرة القدم تحديدا، لو أننا وزعناه على رياضات أخرى فردية وجماعية، لكان لنا اسم بارز في قائمة الدول التي تنال الذهب أو تصل إلى منصات التتويج.
إلى متى تظل حصة الرياضة مقبرة لكل مواهب محتملة قد تنمو وتُنمّى في أبنائنا؟.
(الدستور الأردنية)