موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
من لا يفرح في بداية شهر كانون الأول وبالتحديد عند اقتراب حلول الميلاد، إذ الكثيرون الكثيرون يكونون قد اتفقوا مع رب عملهم، وحصلوا على بعض أيام العطلة أو على الإجازة السنوية الكاملة، ليمضوها مع أعضاء عائلتهم بكل هدوء وراحة واستجمام، ليتنشطوا بعدها للعمل من جديد. لكن من المعلوم أن أكثر المشاجرات العائلية تحدث في هذا الوقت وبالذات أيام العيد.
فلماذا تحدث المشاجرات العائلية يا ترى في هذا الوقت بالذات علمًا بأن الصفة الخاصة لهذا العيد هي المحبة والتسامح؟ لكن واقعيًا ما عاد الميلاد عيد تأمل وصلاة وهدوء، بل زمان المشاجرات في العائلة وهموم من أجل شراء هدايا العيد التي هي أيضًا سبب في إشعال بعض المشاجرات والزعل في العائلة.
هذه بعض النصائح لنعيش أيام ميلاد هادئة.
عيد الميلاد، حسب التوقعات العامّة المتعارف عليها، هو وقت سلام، لكن يبدو أن هذا السلام في كثير من العائلات معلّق في برواز مائل. فلنتساءل لماذا تحدث نزاعات وخلافات كثيرة في هذا الوقت، أكثر منه في باقي أيام السنة. فهل سبب ذلك هو في توقعات شخصيّة لا تتوفّر أو تتحقّق. علمًا بأن ما تحتويه هذه الأيام هو سبب فرح، له مكوناته وعوامله التي تختلف عن باقي الأفراح التي نتشوّق إليها خلال السنة.
يجتمع كل أفراد العائلة باقتراب عيد الميلاد في إجازة قصيرة، وقد تمتد إلى ما بعد نهاية السنة ليفرحوا سوية وبكل سرور. الكل يُهدي بل ويَهدي هدايا، ولكن ما في القلب هو غير ما تعنيه هذه الهدايا، فبينما نقول هذا العيد هو عيد محبّة إذا بخلافات قديمة تبرز في هذا الوقت كأنها جديدة، تُعكِّر جو الفرح، يريد صاحبها، بوعي أو بغير وعي، إشعالها من جديد. هذا وإن حدث سوء تفاهم وخلافات أثناء السنة، فيجد صاحبُها أن أحسن وقتٍ لحلها هو وقت عيد الميلاد، فالنتيجة أنه بدل أن تنحل تزداد تعقيدًا بسبب أن صاحبها لديه الوقت الآن ليُشعِل فتيلتها ويطيل الحديث عنها بل ويُحيي أسبابها التافهة.
اجتماع العائلة بأبنائهم وأبناء أبنائهم في هذه الفترة تحت سقف واحد، إلى جانب أنه فترة استراحة وانبساط للالتقاء في العش العائلي، لكن ذلك يجلب معه بعض المعوّقات كالشغل الكثير لبعض الأفراد، خاصة لربات البيوت في تحضير الطهي والتنظيف والغسيل وفواتير صرف الماء والكهرباء غير المتوقع، فتزيد المصاريف على أهل الضيافة، وهذا ما يسبّب تأزّمًا في العلاقة مع بعض، خاصة بسبب الأطفال الذين تكثر متطلّباتهم من الأجداد، أو المشاجرات بين بعضهم البعض، فيحاول الآباء الإصلاح بينهم وتهدئة الأجواء، دون جدوى أحيانًا، ممّا يزيد من كهربة الجو بين الناضجين.
لذا فللحفاظ على الهدوء والاسترخاء في هذه الأيام بين المتواجدين وتمتين روابط العلاقة الطيبة بين بعضهم البعض، من المحبّذ تقسيم العمل على أكتاف كثيرة، مثلا الطبخ يتكلّف به شخصان أو ثلاثة كل واحد يتفنّن بطبخ شيء يناسب الأذواق، ثم تعيين فريق آخر للجلي والتنظيف إذا كانت وجبات الأكل في البيت الجماعي، خاصة إذا كان الحضور من عائلة واحدة ويعرفون بعضهم. ويمكن فريق آخر أن يتولى تسلية الأولاد وتنظيم برنامج خاص بهم إذ العمل الجماعي يجمع ولا يُفرِّق.
كيف نفكّر أو ننظم الاحتفال بالعيد؟
من المناسب أن نُشغل بالنا في وقت مبكّر، مع مَن وأين نريد أن نعيّد عيد الميلاد، لأن من يريد أن يقطع العلاقة مع العوائد المُمارسة والمعروفة، لا بد أن يلاقي عند الآخرين ردود فعل معارضة للخروج عن القوانين المتّبعة. لذا فلا بدّ لشخص له كلمته في المجموعة أن يمهّد الطريق لهذه التغييرات مع التفهّم لآراء الآخرين غير الراضين عن التغيير الجديد. ويمكن أيضًا إدخال العادة المتّبعة في تجربة جديدة لكل سنة مثلا دعوة شخص صديق خارج عن العائلة أو تجربة نوع طبيخ جديد، فيستطيع المشتركون أن يشهدوا كم هو بالإمكان إدخال تغيير على العوائد القديمة الرّوتينيّة، وكيف أن الاحتفال بعيد الميلاد هو بالرّغم من التغييرات جميل.
ما هي أحلى هدايا عيد الميلاد؟
أوّلا هو من غير المحبّذ التأجيل بالتفكير بهدايا العيد حتى اللحظة الآخيرة. ولكي لا تكون مفاجأة عكسية، يمكن سؤال الشخص عن نوع الهدية التي يريدها أو التي سيفرح لها. كما وهناك فكرة صائبة أن الواحد يُسهّل الأمر فيفتش عن أنواع هدايا ملائمة في الإنترنت ويتكلم عنها مع المُهدى إليه قبل طلبها.
هذا وإن الهدية إن كانت من صنع اليد الخاصة فهي ستُفَرِّح أكثر. إذ المُهدى إليه سيقدِّر منتوج من يفكّر فيه ويهديه. والأحسن هو أن تكون هدية مشتركة (خاصة بين الأزواج)، منها للمُهدى إليه وقسم للمُهدي، مثلا رحلة مشتركة لبعض أيام العيد. وهناك فكرة لمن لا يُحب شراء الهدايا لغيره أن يُشرِك نفسه فيها ويعمل لنفسه فرحة بالشراء فيكون له منها قسم مشترك يتحدّث به مع مَن أهده شيئًا ملائمًا.
أين يتم الاحتفال بالعيد؟
هناك تقليد قديم أن أول أيام العيد تتم في العائلة الرئيسية، أي أهل الرجل مع كل الأحفاد وأمام شجرة الميلاد عندهم. وفي اليوم الثاني عند أهل المرأة، وفي السنة الثانية العكس، وهذا حل عملي يمكن تحقيقه بلا صعوبة، إذ الوقت لا يسمح زيارة العديدين في يوم واحد، ويمكن مثلا زيارة قسم من الأهلين أيامًا قبل حلول عيد الميلاد مثلا يوم 6/12، أي يوم عيد القديس نيقولاوس (وهو عيد الهدايا للأولاد في أوروبا أو تجميع طلباتهم) وفي السنة اللاحقة عند الأجداد الآخرين، فلا تقع الفوضى والضوضاء في يوم واحد. فإن كان الجميع متفق على هذا البرنامج فلا حاجة من تغييره، وإلا لا مانع من جلسة جماعية والتحدّث بإيجاد حل آخرٍ مناسب يقبل به جميع الذين يهمهم هذا الأمر أعني الناضجين لا الأولاد. مثلا تغيير موضع اللقاء السنوي.
كيف يمكن التخلّص من الإرهاق أيام العيد؟
إن التغيير يهوّن من الإرهاق، فمثلا التفكير في لعبة مسلّية للجميع أو نزهة جماعية تلهي عن المحادثات التي تجرُّ إلى نفور أو مشاجرة. ومن البداية لا بد من التحدّث مع هذا أو ذاك من الطرفين قبل بداية الجدال، إن كان معروفًا أن الجدال المشحون مُبرمج وسيحدث في هذه الأيام. فلا بدّ أن يبقى السيف في غمده في هذا الوقت من السنة، وإن لم ينفع فليقف وسيط في الوسط ويوضح الأمر للطرفين ويحدّ من وطئته.
هذا وقد يساعد التفهيم أن عيد الميلاد هو مرة واحدة في السنة فلماذا سوء التفاهم في هذه الساعات ما دام أمام الجميع وقت كافٍ للقاء آخر وحل المشكلة خارج أيام العيد القصيرة.
وكل عام وأنتم بخير وسلام.