موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
وأنتَ تقف على منبر هذا المعهد الأنطوني يعبق تاريخ رهبنة حفرت حضوراً روحيا وأكاديميا وإجتماعيا طبع نهضة مجتمع ووطن، وأنتَ مدعوّ للكلام مع الرئيس العام للرهبنة قدس الأب أبو رعد المتوّج بالعلم والفلسفة واللاهوت واللغات منها سريانياتنا المقدسة، ممثلاً بالأب المدبّر إبراهيم بو راجل تصبح مُكرّما وليس راعيا لنشاط .
وأنتَ على تلّة بعبدا، عاصمة القصر تتطلع الى رمز غائب، الى موقع الرئيس المسيحي الوحيد في هذا الشرق، من المغرب الى أندونيسيا، ويحيطك الحزن والقهر كان يُقال "عالم ماروني" أما الآن فأنت تردد مع مسرحية يحيى جابر "من كفرشيما الى المدفون " "كنا الكرسي صرنا إجر كرسي لوين بدنا نروح ". كم أن خطايانا عظيمة.
...أن يغوص عالم ماروني في الحضارة السريانية في هذا الزمن بالذات، حين كاد أن يبتلعنا الوباء، ويهددنا الإرهاب بالاقتلاع، ويحكمنا الجهل والأحادية هو عودة الى الجذورالى ثنايا تاريخ ضاج، لكن من يهتم، من يسأل، ما بالك أيها الأب د. خضرا؟ هل تريد أن تغرز السكين أعمق في مجتمعنا وقلبنا والفكر، أليس أفضل لنا أن ننسى؟ ثقافتنا، لغتنا، علومنا، عاداتنا، كنائسنا، أديرتنا، فنوننا، وحتى شهداءنا؟
من يريد أن يعرف ماذا أعطىينا في الترجمة في اللاهوت، في الفلسفة، في بلاطات حُكّام تلك الحقبات، في بطاركتنا وأعلامنا وكتّابنا ونسّاكنا، من يريد أن يتذكر علومنا في القانون، الموسيقى والشعر والمدائح والسيٍّر والمعاجم والتنجيم؟
من يريد أن يتبحّر في أسماء قُرانا ومدننا، في جوهر إيماننا، في تضحياتنا، هجراتنا، في انحطاطنا، أو تقهقرنا في السياسة واللغة والموقع والنفوذ والحضور؟
من يريد أن يُحيي روحا غابت، وإبداعا سكت، وتجديداً لا أبطال له، لقد وصلنا الى ما تحت التحت، ونخشى أن نصبح هنوداً حمرا، أو " دبب الباندا " أو شعوبا منقرضة يُشار اليها في متاحف الدنيا.
حين تُقتلع أنت من أرضك كأنهم يأخذون قلبك . حين تفتح عواصم الدنيا أبوابها لاستقبالك، في تواطؤ رهيب مع الإرهابيين تعرف أنك ذاهب الى الذوبان.
هل ضروري أن نحتفظ بهوية سريانية، أن نتذكر ماضيا، أن نحفظ لفة، ألسنا في زمن الأسئلة الكبرى حول الله والدين والانتماء، وسقوط هذه التي يعتبرها البعض " متخيلة " نحو إنسان كونيّ يفتش عن كواكب جديدة وعن علوم تثبت تفّوقه كجنس بشري ويحاول أن يصبح هو الإله.
... وأنا مسكون بهاجس بقاء وصمود مسيحيي الشرق، رغم أني أوشك أن أُعلن وفاتهم، مع تأجيل مراسم الوداع، ومن نضال عمر لهذه القضية التي عنوانها حق كل إنسان بالكرامة والحرية، وحق كل جماعة مهما كان عددها وقوميتها وإثنيتها ولغتها بالمساواة التامّة في المواطنة، أشدد على أن دورنا نستمده من عطايا ضاربة في عمق الثقافة، ومن حكمة ورؤية وفكر يجمعها روّاداً في الشرق نوراً على جبل. أنها تحديات خطرة جداً ولا يمكن لمن يتصدى لها ألا يكون متسلحا بهذا الإرث العظيم.
أيها الأب الفاضل في ما هو أبعد من بحث عن "علوم الدين بين الغزالي وإبن العبري،" حبرك مقاومة وصلاة إيمان ورجاء بأن عندنا ما يستحق الصمود والحياة.
(الديار اللبنانية)