موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٧ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠

عيد العائلة المقدسة

بقلم :
الأب منويل بدر - الأردن
هذا العيد هو مناسبة ملائمة لنطلب شفاعة العائلة المقدسة لعائلاتنا، وبركَتَهم في هذا العالم

هذا العيد هو مناسبة ملائمة لنطلب شفاعة العائلة المقدسة لعائلاتنا، وبركَتَهم في هذا العالم

 

الأحد الأول بعد الميلاد (الإنجيل لو 2: 41-52)

 

بعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم

 

العائلة هي ليست فقط محطة بنزين وفندق للنوم. العائلة هي أوّل مؤسّسة جماعية، خرجت من يد الله، لذا فأساسها مبارك، مقدّس، وهي أساس المجتمع، إذ فيها تتجسد كل الصّفات التي يحتاجها المجتمع: المحبة، التسامح، السلام، الصدق، الإحترام المتبادل والتعاون البيتي، التضحية، التربية الدينية والأخلاقية للأولاد (نعم شرش وأساس الدّين والأخلاق هي العائلة: الإيمان يتطلّب شهادة لا ولادة). الأم تريزا قالت: العائلة هي كنيسة مُصغّرة. فإذا كانت هذه الصفات، ممارسةً بين الأربع جدران، ستظهر نتيجتها في الحياة الإجتماعية.

 

اليوم هو عيد العائلة المقدسة، وبالتحديد هو عيد عائلتنا الخاصة، وجميع العائلات في العالم. وهذه كانت فكرةٌ من المجمع الفاتيكاني الثاني، بعد إدخال وإجراء تعديلات، ووصايا وقوانين جديدة، على الطقوس الدّينيّة والليتورجية، أنّه تقرّر الإحتفال،  بأول أحد يتبع عيد الميلاد، بعيد العائلة المُقدّسة، وإعلانَها شفيعة العائلات في العالم. فماذا نجد في يوسف ومريم البسيطَيْن، من صفات مثالية لعائلاتنا اليوم، حتى تَقْتدي بهما. في صلاة قداس العيد، تقول الكنيسة: يا من جعلت لنا من الأسرة المقدسة قدوة صالحة، هب لعائلاتنا أن تتحلّى مثلها، بالفضائل البيتية وتترسّخ على قواعد المحبة الحقيقية. فالعائلة إذن، تقوم على فضائل، نجدها في العائلة المقدسة.

 

إذن ماذا قدّم يوسف ومريم، وأظهرا بشكل خاص، بوسعِه أن يكون مثالا، لعائلاتنا في الظروف الحاضرة؟ إننا لا نجد الكثير عنهما في الكتاب المقدّس، ليبرِّر تأسيس هذا العيد، لكن القليل المذكور، هو كافٍ كي نكتشف، أن دورهما أمام الله، كان خارقاً فريداً، ولا يمكن أن يتكرّر مرّة أُخرى. فاختيار مريم وملؤُها بالنعمة، هي حالة وحيدة فريدة من الله، وكون يوسف، عريسا عفيفا لمريم، ومغذّيا ومُربّياً ومرافقا للإثنبن، ليسوع ومريم، لا مثيل له، في برنامج الله، لكنًّ هذا لا يكفي لأخذهما مثالا للعائلات، إذ العائلات تريد أمثلة حية بشرية، لتقارن حياتها بحياة بشر، مثلا في العلاقة المثالية اليومية، في التربية الناجحة للأولاد

 

أضف إلى ذلك إنَّ الصور الدّينية التّقية، الّتي تُقدِّم لنا مريم ويوسف، ما بوسعِها أن تسهّل علينا القبول بهما، كمثالَيْن بشريين بسيطَين. فتقديم مريم في الفن، تحمل تاجا ذهبِيّاً، ومعطفا مُزركشاً لامِعاً كألبسة ملكات العالم، تُبعِدُنا عن الهدف المقصود، إذ كيف نستطيع تقديمها للفقراء والمرذولين بهذه الأُبّهة الفائقة. كما وصور القديس يوسف، التي تُقدِّمه شيخاً بشعرٍ أبيض، وزنبقة بيده، لا تتفق مع الحقيقة. فكيف سيقوم يوسف الكهل بالمهمّة، التي أرادها الله منه، وهي، إعالة مريم ويسوع، أقلّه لثلاثين سنة، من عمل يديه، إذ كان الرّجل، في ذلك الزّمان، هو المعيل الوحيد في العائلة.

 

إذن ما هي الصّفات، التي يجب أن تتوفّر في مريم ويوسف، لنستطيع تقديمهما، كمثالَيْن حقيقَيْن، يقبل بهما، ويحتذيهما كلّ أرباب وربّات البيوت في العالم، ويفتخرون بهما. أن مريم ويوسف كانا فُقراء العهد القديم، عاشا بمخافة الله، كما تعوّدنا أن نقول، لنلقِّبهما بالعدالة والقداسة. عاشا حياة بسيطة من عمل يديهما. فمريم باختيارها من الله للوظيفة العالية، لم تستفد من ذلك الإختييار في حياتها اليومية "بعرق جبينك تأكل خبزك"، قانونٌ يسري على الكل، بما يخص الحياة اليومية. وأمّا يوسف كنجّار، فكان مرتبطا لمصاريف الحياة اليومية بمنتوج عمله. وبعد اللجؤ إلى مصر والرّجوع إلى النّاصرة، نقدِر أن نتصوّر، كم من الوقت احتاج، ليقف على رجليه من جديد، ويرجع إلى وضعه السابق بعد سنوات، ويبدأ النّاس يطلبون شغله وتجارته، لتعيش العائلة مستورة مادّيا، ولا يمكن اتّهام يوسف باستغلال زبائنه، او أنّه داينهم بربيً فاحش، لأنه كان خليل الله، وهذا سيُغمض الجفن عن عمله السيّء. كلَّ ما نقدر تأكيده أن مر يم ويوسف كانا قد وضعا حياتهما بيد الله، ومن هذا الإيمان، كانا يعيشان حياتهما اليومية.

 

من هنا نبدأ بتعديد الصفات والأمثال، التي نجدها في مريم ويوسف، والتي يمكن لعائلاتنا اتّخاذَها قاعدةً لحياتها اليوميّة. أوّلها: العلاقة مع الله ، التي يجب أن تكون متينة ومتواصلة وليس فقط عند الحاجة أو عندما يقعوا في مأزق مُحرج. الإيمان يولِّد الثقة العمياء بالله، في كل مراحل الحياة. وهذا ما نجده عند مريم ويوسف.

 

المثل الثاني، هو أن يوسف كان عامِلاً، عاش من عمل وإنتاج يديه اليومي المتواصل، وقام بالواجبات المادّية اليومية، الني كانت عائلته تحتاجها. فما كان عبثا، إعلان يوسف شفيعا للعمال، بِعِيدٍ خاص هو الآول من أيار، والمعروف بيوم العمّال، وذلك في كلِّ أنحاء العالم. مثل إضافي ايضا للعائلات ، أنَّ مريم ويوسف، يُقدِّمان بِكرَهُما لله، وهما على يقين أنَّ الله أهداهُما إياه، ومع ذلك أنَّهما يعلمان، أنّ الله يريدُه لخدمتِه: "أما تعلما أنّه ينبغي أن أكون في ما لأبي" (لو 2: 39)، فما كان منهما إلاّ العملَ والقبولَ بإرادة الله. هذا لم يمنعهما، من تربية الطفل والإعتناء به، إلى يوم تأتي ساعتُه، ويبدأ برسالته التبشيرية. فعناية الوالدين بمولودهما، وتربيتُه الدينيّة، هي من أوّل الواجبات العائلية، إذ البيت هو المدرسة الأولى لكل طفل، فلا يحق للعائلة أن تتخلّى عنها أو أن تسلّمها لأيدي غريبة، كما كات ذلك ساريا أيام الشيوعية، إذ مبادئ التربية، لا تعتمد، لا على شروط ولا على قوانين، وإنّما على مثل الأهل الحي: بالفعل لا مربي، ولا أية أفلام تقدر أن تُزرع في الطفل الحنان والأمن والحماية التي يحصل عليها في حضن أهله.

 

لقد نشأ يسوع في بيتِ عاملٍ بسيط، فتعلّم منه الصنعة، وحبَّ العمل ممّا شاهده في يوسف. أليس هو ابن النجّار يوسف؟ هذا ونقدر أن نقول، كم كان يوسف مسرورا من وقوف يسوع إلى جانبه، يعمل ويمارس المهنة، ويتحمّل المسؤولية معه. هذا، وآخر  ما نقدر أن نقول عن مريم ويوسف، أنهما قبلا بالتالي بأن يسير يسوع طريقه، مستقلاًّ عنهما، فلكل إنسان مهمّة مُقرّرة من الله، ولا يجوز للأهل سدَّ الطريق بوجه أبنائهم، حينما يختارون، بنُضْج وتَفَهُّم، وظيفة حياتهم، التي كانوا قد أطلعوهم عليها، وعلى رأسها وظيفة الكهنوت أو الرهبنة، فما على الأهل المُؤمنين، إلا حمايةَ وتشجيعَ هذه الوظيفة العالية. يوسف ومريم أصبحا شُفعاء عائلاتنا ليس لأنهما عاشا مع يسوع بل لإتمامهما إرادة الله في حياة يسوع

 

فهذا العيد، هو مناسبة ملائمة، لنطلب شفاعة العائلة المقدسة، لعائلاتنا، وبركَتَهم في هذا العالم. ليس فقط اليوم بل ولكل سنيِّ حياتهم.

 

 

الزّيارة الثّانية للهيكل

 

فِيْ سِنِّ الثّانِيَةِ عَشْرَ رَجَعوا إلى أُورشليم

لِيُعْلِنـوا انْتِمـاءَ الصّبيِّ لِشَعْبِهِ وللهِ العظيم

 

عِندَ الرُّجوعِ إلى النَّاصِرَةِ كما تفرِضُ القوانين

يسيرُ الرَّجُلُ مَعَ الرِّجـالِ والمرأةُ مَعَ النّساوين

 

فأمّـا الأوْلادُ فَيَلْتَقونَ طِيلَةَ النّهارِ مرّةً هُنا ومرّةً هُناك

وتبيّنَ في الْمَساءِ أنَّ يسوعَ ما كانَ لا مَعْ هذا ولا ذاك

 

يا للمُصيبهْ! مريمُ ويـوسفُ أُصِـيبـا بالْهَلَعِ الكبير

وَرَغْمَ التَّعَبِ والمّشقّةِ رَجَعا يُفتِّشانِ عَنِ الصّغير

 

ثلاثةَ أيّامٍ لَمْ يَهْدأْ لَهُما بـالٌ ولا أَغْمَضَتْ لَهُما جُفون

آخِرَ المَطافِ قالوا تُرى هَلْ في قَبْوِ الهَيْكَلِ قَدْ يَكون

 

وإذا بالصَّغيرِ يَقِفُ واعِظاً ومُعلِّماً نشيط

ما كانَ أَظْهرَ لَهُما ذلكَ ولَوْ بِشَكْلٍ بسيط

 

إسْتَمَعُوا لَهُ لَحْظَةً مُغَطِّينَ الوُجوه

حتّى لا يَرى حُزْنَهمْ حِينَ يَقْرَبوه

 

وعندما أدارَ وَجْهَهُ لاسْتِماعِ سُؤال

اقْتَرَبَتْ أُمُّهُ وتَنَهَّدَتْ بصوتٍ عـال:

 

يا ابْنِيْ! مـا لَكَ لوَّعْتَنا وبَقِـيتَ هُنا؟

فالّليلَ مـا نِمْنا ولا الطّـعـامُ حَلا لنا!

 

قالَ قَدْ حانَ الوقتُ لِأَقولَ الْيَوْمَ لكما

مِنَ الآنِ أنا فِيْ بَيْتِ أبي فلا يَهُمُّكُما

 

ثُمَّ انْضَمَّ إلـى موكِبِهِمـا ونزلـوا سَوِيّه

إلى البيتِ في النّاصرةِ كما في الهُويّه

 

هُناكَ كَكُلِّ فَتىً فِيْ حِضْنِهِما راحَ يترعْرع

وينمو بالعُمْرِ والنِّعْمَةِ والطَّـاعَةِ راحَ يبرع

 

التَّرْبِيَةُ فِيْ حِضْنِ العائِلَةِ مُهِمَّةٌ وَلا بَدِيلَ عنها

إِذِ الطِّفْلُ أَساسَ الدِّينِ والْأَخْلاقِ يَتَعَلَّمُها منها