موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٧ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٩

درهم من الإيمان

بقلم :
أشخين ديمرجيان - القدس

يعتقد بعضهم أنّ الاستهتار بالايمان القويم لدرجة الكفر بالله -حاشى وكلا- هو مفتاح النجاح الذي يعود على المجتمع بالخير. لكنّ هؤلاء يعانون من الإحباط. وبعضهم يعيش في حالة انطواء وانعزال تامّ عن البيئة والمجتمع. وهم بحاجة الى استعادة إيمانهم وتنميته ليُصبحوا أكثر استقلاليّة وأكثر تفاعلاً في المجتمع وفي ميادين العمل، وأكثر اندماجًا وفعاليّة في الحياة المدنيّة. فالإيمان الذي يَنشد الحقيقة بلا مُحاباة يمنح المؤمن حياة جديدة، ومَصلاً واقيًا من لدنه تعالى في مقاومة الاباحيّة ،ولقاحًا وتطعيمًا معنويًّا روحانيًّا يحارب الانفلات الأخلاقيّ. وقد صدق السيّد المسيح إذ قال: "أطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبِرّه، وكلّ شيء يزاد لكم" (متّى 6:33). من الأسباب الرئيسية في ابتعاد معظم الناس عن الله تعالى: إهمال الروح والاهتمام بالجسد وتعلّق القلب بالدنيا وحطامها ونسيان الآخرة. وتأثر الفرد بما حوله من أجواء فاسدة خاصة عن طريق التكنولوجيا الحديثة من حاسوب وتلفاز وجميع وسائل التواصل الاجتماعي الخ... جاءت كلّها لتقتل الروح، وتزغلل العيون... فالتكنولوجيا سلاح ذو حدّين أحدهما سلبيّ والآخر ايجابيّ، لكن للأسف الشديد كثرت سلبيّات التكنولوجيا، بسبب إهمال بعض الوالدين وتهاونهم في التربية، وعدم مراقبتهم لِما يشاهده الأبناء من برامج ومواقع الكترونيّة. أعراض المرض وعادةً لا ينتبه الأهل إلاّ بعد فوات الأوان، حينما تظهر على الأبناء أعراض المرض من عصيان وتمرّد وانحراف وانفلاتيّة وانعدام الحياء والأدب. وبعد أن تتكوّن لدى الشّبيبة فكرة خاطئة مشوّهة عن القيم والأخلاق والحب والجنس بدلاً من النظرة الصائبة. أضف الى ذلك إصابتهم بالخمول وتمرّغهم بالكسل وعدم التركيز، وشرود الذهن، وتجاوزهم الضوء الأخضر الى الأحمر، فقط آنذاك يهرع الأهل مُولولين، يستغيثون طالبين الحلّ للمشكلة والنجدة والعون بأسرع ما يُمكِن. وغالباً يكون الحلّ صعبًا أو مستحيلاً مستعصيًا، ويتوقّف ذلك على الفترة الزمنيّة التي أضاعها الطفل أو المراهق أو البالغ أمام الصور الاباحيّة والعنيفة، ليسرح في عالم خيالي لا يمتّ الى الحقيقة والواقع بصلة. ويكون قد "فات الميعاد" وكلّ ما دخل الى العقل الباطن من صور لا يمكن محوها أبدًا، ومن هنا صعوبة الشفاء. هذه المأساة تتكرّر في البيوت بسبب عدم إدراك الأهل لخطورة التكنولوجيا من جهة ، ومن جهة أخرى عدم إدراكهم لقدسيّة الجسد وضرورة انسجام وظائفه الحياتيّة مع وصايا الله والمحبّة الزوجيّة. وأيضًا انصرافهم عن اتمام واجباتهم في تربية الأبناء، بكلّ أبعادها خاصّة التربية الروحانيّة الانسانيّة أي الإيمان والصلاة والتطوّع في المجال الخيريّ الإنساني. هناك مَن يخطّط لنا دومًا في الخفاء خلف أقنعة واسماء رنّانة طنّانة مثل "العولمة" والـnew age "العصر الجديد" وما أشبه.. إنّه برنامج أولئك الذين يحكمون العالم ويُهيمنون عليه، بالإكثار من مشاهد العنف والقتل والتعذيب في نشرات الأنباء والأفلام والمسلسلات، كي يُدمن عليها المشاهد ويعتاد عليها ، فيُمارسها بدوره في المستقبل القريب بدم بارد. أمّا بعد لن يأبه المشاهد فيما بعد، اذا شنّـت تلك القوى العظمى هجومًا على الدول الأخرى الصغيرة أو الفقيرة، أو مارسَت على المدنييّن أعمال البطش والقتل والترهيب. لن يثور أحد ولن يقف أحد بوجه الظلم والجبروت دفاعًا عن المساكين، وهو المطلوب، لأنّ النفوس والأذهان تكون قد تشبّعت بتلك المشاهد الدمويّة في الأفلام والمسلسلات. وهكذا تُصبح تلك التصرّفات الوحشيّة أعمالاً عاديّة، ويتحوّل الاجرام الى أمر مألوف لا تقشعرّ لهوله الأبدان! وعلى مدى سنوات قليلة يُصبح العنف أمرًا طبيعيًّا سوف يمارسه المشاهد أيضًا بكلّ سهولة. بمعنى آخر سيموت الضمير وصوت الله في وجدان المشاهد المُدمن على أفلام الرّعب والعنف. الحنين إلى المسلسلات القديمة ومن المؤسف أنّ المسلسلات المحليّة في الدول العربيّة بدأت تُكثر هي الأخرى من مشاهد العنف في برامجها -ربّما عن حُسن نيّة أوتباعيّة منها للمخرجين الأجانب- بلا تفكير فيما تُخطّط له القوى العظمى، وبلا اهتمام بنفسيّة المُشاهد والاكتراث للنواحي الإنسانيّة الحضاريّة التي ترقى بالنفس وتهذّبها. ولذلك صار المشاهد يحنّ إلى المسلسلات القديمة الجميلة. خاتمة الحلّ هو بعودة الروح والتقرّب من الله. نعم الإيمان هو المَصل الناجع، وهو ضرورة قصوى لا غنى عنها: "من غير إيمان لا يقدر أحد أن يُرضي الله" كما تقول (عبرانيين 11: 6)، قال السيّد المسيح: "لو كان لكم من الإيمان قدر حبّة خردل، لقُلْتُم لهذا الجبل انتقل من هنا الى هناك فينتقل، ولَما عجزتم عن شيء" (متّى 17: 20).