موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٠ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠

تذكار القديس المجيد اندراوس الرسول

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
تذكار القديس المجيد اندراوس الرسول

تذكار القديس المجيد اندراوس الرسول

 

الرِّسَالَة

 

لِتَكُنْ يا رَبُّ رَحْمَتُكَ عَلَيْنَا، اِبْتَهِجُوا أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ بالرَّبّ

 

فصل من رسالة القديس بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس (4: 9-16)

 

يا إخوةُ، إنَّ اللهَ قد أَبْرَزَنَا نحنُ الرُّسُلَ آخِرِي النَّاسِ كأنَّنَا مَجْعُولُونَ للموت. لأَنَّا قد صِرْنَا مَشْهَدًا للعالَمِ والملائكةِ والبشرِ، نحنُ جُهَّالٌ من أجلِ المسيحِ أمَّا أنتمُ فحكماءُ في المسيح. نحنُ ضُعفاءُ وأنتم أقوياءُ. أنتم مُكرَّمُونَ ونحنُ مُهَانُونَ، وإلى هذه السَّاعة نحنُ نجوعُ ونَعطَشُ ونَعْرَى ونُلطَمُ ولا قرارَ لنا، ونَتْعَبُ عامِلِين. نُشْتَمُ فَنُبارِك. نُضْطَهَدُ فنَحْتَمِلُ. يُشَنَّعُ علينا فَنَتَضَرَّع. قد صِرْنَا كأقذارِ العالمِ وكأوساخٍ يَسْتَخْبِثُهَا الجميعُ إلى الآن. ولستُ لأُخْجِلَكُمُ أَكْتُبُ هذا، وإنَّمَا أَعِظُكُم كأولادي الأحبَّاءِ، لأنَّهُ ولو كانَ لكم رِبْوَةٌ منَ المُرْشِدِينَ في المسيح ليسَ لكم آباءٌ كثيرون. لأنّي أنا وَلَدْتُكُم في المسيحِ يسوعَ بالإنجيل. فأطلُبُ إليكم أن تكونوا مُقْتَدِينَ بي. 

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا 1: 35-51)

 

في ذلك الزّمان، كان يوحنَّا واقفًا هو واثنانِ من تلاميذهِ، فنظرَ إلى يسوعَ ماشيًا فقال: هوذا حَمَلُ اللهِ، فسمعَ التِّلميذان كلامَهُ فتبعا يسوع. فالتَفَتَ يسوعُ فأبصرَهُمَا يتبعانِهِ، فقال لهما: ماذا تطلُبَان. فقالا لهُ: رابّي (الّذي تفسيرُهُ يا معلِّم)، أين تَمْكُث؟. فقال لهما: تعاليا وانظُرَا. فأَتَيَا ونظَرَا أينَ كان يمكُثُ، ومَكَثَا عندهُ ذلك اليوم، وكان نحوَ السَّاعة العاشِرَة، وكان أندراوس أخو سمعانَ بطرس واحِدًا من الإثنين اللَّذَيْنِ سمِعَا يوحنَّا وتَبِعَا يسوع، فهذا وَجَدَ أوَّلًا سمعانَ أخاهُ فقال لهُ: قد وجَدْنَا مَسِيَّا، الّذي تفسيرُهُ المسيح، وجاءَ بهِ إلى يسوع. فنظر إليهِ يسوعُ وقالَ: أنتَ سمعانُ بنُ يونَا، أنتَ تُدعى صَفَا، الَّذي تفسيره بُطْرُس. وفي الغدِ، أرادَ يسوعُ الخروجَ إلى الجليلِ، فوجدَ فيلِبُّسَ فقال لهُ: اتْبَعْنِي. وكان فيلبُّسُ من بيتَ صيدا، من مدينةِ أنداروسَ وبطرسَ، فوجدَ فيلبُّسُ نثنائيلَ فقال له: إنَّ الَّذي كتبَ عنهُ موسى في النّاموسِ والأنبياءِ قد وجدنَاهُ، وهو يسوعُ بنُ يوسُفَ الَّذي من النَّاصِرَة. فقال لهُ نثنائيلُ: أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمكِنُ أنْ يكونَ شيءٌ صالِح. فقالَ لهُ فيلبُّسُ: تعالَ وانْظُرْ. فرأى يسوعُ نثنائيلَ مُقْبِلًا إليهِ، فقال عنهُ: هوذا إسرائِيلِيٌّ حقًّا لا غِشَّ فيهِ. فقال لهُ نَثَنائيلُ: مِنْ أَيْنَ تعرِفُنِي. أجابَ يسوعُ وقالَ لهُ: قبل أنْ يدْعوكَ فيلبُّسُ وأنتَ تحت التِّينةِ رَأَيْتُكَ. أجابَ نثنائيلُ وقالَ: يا معلِّمُ أنتَ ابنُ اللهِ، أنتَ مَلِكُ إسرائيل. أجابَ يسوعُ وقالَ لهُ: لأنَّنِي قلتَ لكَ إنِّي رأيتُكَ تحت التِّينَةِ آمَنْتَ، إنَّكَ ستُعَايْنُ أعظمَ من هذا، وقال لهُ: الحقَّ الحقَّ أقولُ لكم إنَّكم مِنَ الآن تَرَوْنَ السَّمَاءَ مفتوحَةً وملائكةُ اللهِ يصعَدُونَ وينزلونَ على ابنِ البشر.

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد. أمين

 

أيها الأحباء، في رسالة هذا الأحد يُعَدِّدُ بولسُ الرَّسول صعوبات الرّسل وخدّام الكلمة في علاقتهم مع العالم والبشارة، ويصف حالتهم الدَّقيقة الَّتي تبدو في نظر العالم مُحْتَقَرَة. كما يذكر بولس الفضائل الّتي يجب أن يتحلَّى بها الرَّسول لكي يُتِمَّ الخدمة المعطاة له. من هذه الفضائل يتطرَّق بولس إلى ثلاثة فضائل خاصّة مهمّة وخفيَّة:


1- يجب على الرّسول أن يعرف طبيعة كرامته، وأن يَقْبَلَ هو ان البشارة مقابل كرامة الرَّسوليّة. فكلام الرّسول هو كلام سيّده، وكرامته تعبير عن كرامة مرسله. فقد أعلنَ يسوعُ جهارًا لتلاميذه: "ليس من رسول أعظم من مرسله" (يوحنا 13: 16). فكما كرّموا يسوع سيكرِّمون رسله، وإن كانوا اضطهدوه هكذا سيضطهدون رسله.

 

2-  "كأنّنا محكوم علينا بالموت" نعم!، الحكم بالموت هو حكم قَبِلَهُ الرّسول عندما قبل إرساليَّته مباشرة. "ضع الموت أمامك"، يقول القدّيس اسحق السّرياني، قبل إتمام أيّة فضيلة. ذكر الموت يعني أن يعي الرّسول أنّ لا مصلحة له في وجه هذا العالم، والمسؤوليّة الوحيدة هي الكرازة بالكلمة.


3- يعرف الرّسول أنّ الحكمة الإلهيّة الّتي ينادي بها تُحْسَبُ لدى بني هذا الدّهر جهالة. فالتّواضع جهالة أمام تعظّم هذا الدّهر. والبذل بلاهة أمام التّسابق على الفرص والقنية والغنى لدى العالم. ولكن، لا ينسى الرّسول أنّ "الله اختار جهلاء هذا العالم لكي يخزي الحكماء". لأنّ قوّة هذه الحكمة هي كقوّة حياة حبّة الخردل الّتي تبدو بأنها قد دفنت، وإذا بها تصير شجرة كبيرة.

 

وأما المقطع الإنجيلي من بشارة يوحنا، لقد كان يوحنا المعمدان واقفاً مع اثنين من تلاميذه، عندما رأى المسيح مقبلاً، فقال عنه: "هوذا حمل الله". وكان أحد هذين التلميذين أندراوس من مدينة بيت صيدا الواقعة على رأس بحيرة طبرية الشمالي في منطقة الجليل، فيكون قد أتى من محلٍ بعيد ليتتلمذ للمعمدان. أما الثاني يوحنا بن زبدي، فهو أيضاً من بيت صيدا. ولا نعلم كل ما سمعاه سابقاً من معلمهما المعمدان عن المسيح، لكنهما سمعاه يقول إنه حمل الله (يوحنا 1: 29، 36 ) . ويؤيد هذه التسمية قول إشعياء النبي: "تَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ" (إشعياء 53: 7). ومن المعروف أن يوحنا المعمدان كان ابن كاهن. وعمل الكاهن كما تعلمون في العهد القديم هو تقديم الذبائح في الهيكل، والشرط في الذبيحة أن تكون سالمة من كل عيب. فيوحنا وهو يطلق على المسيح لقب حمل الله يشهد بسلامة المسيح من كل عيب. لقد تغيّرت حياة أندراوس ويوحنا تماماً بعد أن التقيا بالمسيح، ولو أن أندراوس لم يشتهر كثيراً فيما بعد، بل كان أعظم أعماله ما فع ويظهر أن سمعان كان تلميذاً معه للمعمدان، ففتش عنه حتى وجده، وأخبره عن كنز لا يُثمَّن قد اهتدى إليه مع رفيقه يوحنا، إذ قال: "وَجَدْنَا مَسِيَّا" (يوحنا 1: 41) إذ أتى بأخيه سمعان إلى المسيح.

 

انضم سمعان حالاً إلى أندراوس ويوحنا. فضمَّ المسيح هؤلاء الثلاثة إليه كتلاميذ، وبذلك تم قصده من زيارته لبيت عبرة.  لقد عرف المسيح سمعان حالما رآه، لا بل قبلما رآه، وعلم مزاياه ومواهبه ومستقبله، فأعطاه في هذه المقابلة الأولى اسماً جديداً: بطرس (في اليوناني) أو صفا (في الأرامي) وكلاهما معناه "صخرة". وهذا اسم لم يستحقه إلا بعد أن حلَّ عليه الروح القدس، فظهرت فيه المواهب التي أهَّلتْهُ لهذا الاسم.

 

واستعد ليذهب في اليوم التالي إلى وطنه الجليل. ولكن قبل سفره اتّخذ تلميذاً رابعاً اسمه فيلبس، وهو أيضاً من بيت صيدا، وجده المسيح ودعاه قائلاً: "اتْبَعْنِي" (يوحنا 1:43).  وفيليبس وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: "وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالْأَنْبِيَاءُ: يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ". فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: "أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟" قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: "تَعَالَ وَانْظُرْ".

 

كان المسيح يعلم خفايا تاريخ نثنائيل وصفاته، دون سابق مقابلة بينهما أو سماع خبر عنه من إنسان، فبينما نثنائيل جاء مع فيلبس لمقابلة المسيح قال للذين معه: "هوذا إسرائيلي حقاً لا غشَّ فيه". ولما تعجب نثنائيل من هذه الشهادة الممتازة من غريب سأل: "من أين تعرفني؟".

 

وخلاصة القول  كم في حياتنا من اللحظات أو الأيام فيها ضياع وعدم المبالاة وكم مرات نكون تحت التينة أي تحت خطايانا وأمراضنا إذ كان يرانا فيها المسيح دون أن يكون هو نفسه مرئيا. لذلك لا نستطيع أن نجد يسوع ونلتقي به ما لم نرفع ذواتنا من الضياع ونعلن إيماننا بالمسيح بأنه هو حمل الله الرافع خطيئة العالم.

 

القدّيس الرسول المجيد الكليّ المديح اندراوس المدعوّ أولاً

 

هو الرسول الذي دعاه الرّب يسوع المسيح أولاً، واسمه معناه الشجاع أو الصنديد أو الرجل الرجل. كان تلميذاً للقدّيس يوحنا المعمدان قبل أن يصبح تلميذًا ليسوع (يوحنا 35:1).ان موطن اندراوس وبطرس من الجليل الأعلى، وعلى وجه التحديد من بيت صيدا ، ومنها فيليبس الرسول أيضاً (يوحنا 44:1).

 

كانت مهنة اندراوس، كأخيه بطرس، صيد السمك (مرقس 16:1)، وكان له بيت في كفرناحوم (مرقس 29:1). ورد اسمه ثانياً في لائحة الرسل، في كلّ من إنجيلي متى (2:10) ولوقا (14:6) بعد بطرس، فيما ورد رابعاً في كلّ من إنجيل مرقس (16:3) وأعمال الرسل (13:1) بعد بطرس ويعقوب ويوحنا.

 

أكثر ما ورد ذكر اندراوس الرسول في إنجيل يوحنا  نجد في الإصحاح السادس (8) يبلّغ الرّب يسوع، قبل تكثير الخبز والسمك، بأن "هنا غلاماً معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان.  ونلقى اندراوس مرّةً أخرى في الإصحاح الثاني عشر حين تقدّم يونانيون إلى فيليبس وسألوه قائلين نريد أن نرى يسوع. "فأتى فيليبس وقال لأندراوس ثم قال اندراوس وفيليبس ليسوع. وأمّا يسوع فأجابهما قائلاً قد أتت الساعة ليتمجّد ابن الإنسان" ( 20 :23).

 

ولقد أورد أفسافيوس في تاريخه أنّه كرز بالأناجيل في سكيثيا، أيّ إلى الشمال والشمالي الشرقي من البحر الأسود، وفي آسيا الوسطى، بين كازخستان وأوزبكستان. كما ذكر كلّ من ايرونيموس وثيودوريتوس أنّه بشّر في إقليم أخائية في جنوبي اليونان، فيما أشار نيقيفوروس إلى آسيا الصغرى وتراقيا، في البلقان، شمالي البحر الإيجي. وفي بيزنطية، التي كانت آنئذ مدينة متواضعة، يقولون إن القديس اندراوس أقام عليها استاخيس، أوّل أسقف. ويقولون أيضًا إنه رفع الصليب في كييف، وتنبّأ بمستقبل المسيحية بين الشعب الروسي. القدّيس اندراوس شفيع اسكتلندا حيث يبدو أن سفينة غرقت بالقرب من المكان المعروف باسمه هناك وكانت تحمل بعض بقايا القدّيس.

 

أمّا رقاد الرسول فكان استشهاداً على صليب ما فتئ معروفاً منذ القديم باسم صليب القدّيس اندراوس، وهو على شكل X جرى ذلك في باترا في أخائية اليونانية حيث نجح الرسول في هداية الوثنيين إلى المسيح إلى درجة أثارت القلق لدى أجايتوس الحاكم، لا سيّما بعدما اكتشف أن زوجته ماكسيمللا قد وقعت في المسيحية هي أيضاً. وكان صلب اندراوس مقلوبًا. لكن عدالة الله شاءت أن يقضي الحاكم بعد ذلك بقليل عقابًا. أما رفّات القدّيس فتوزعت في أكثر من مكان، إلا أن جمجمته عادت أخيرًا إلى مدينة باترا في 26 أيلول 1974، فيما بقيت له يد في موسكو والبقية هنا وهناك.

 

الطروباريات 

 

طروباريَّة القيامة باللَّحن الثاني

عندما انحدرتَ إلى الموت، أيُّها الحياةُ الذي لا يموت، حينئذٍ أمتَّ الجحيمَ ببرقِ لاهوتِك. وعندما أقمتَ الأمواتَ من تحتِ الثَّرى صرخَ نحوكَ جميعُ القوَّاتِ السَّماويّين: أيُّها المسيحُ الإله، معطي الحياةِ، المجدُ لك.

 

طروباريَّة الرَّسول أندراوس باللَّحن الرَّابِع

بما أنَّكَ في الرُّسل مدعُوٌّ أوَّلًا، وللهامة أخًا، اِبْتَهِل يا أندراوس إلى سيِّدِ الكلِّ أن يَهَبَ السَّلامَةَ للمَسكُونَة، ولنفوسِنَا الرَّحْمَةَ العُظْمَى.

 

قنداق تقدمة الميلاد باللَّحن الثَّالِث

اليومَ العذراء تأتي إلى المغارَة لتَلِدَ الكلمَة الَّذي قَبْلَ الدُّهور ولادَةً لا تُفَسَّر ولا يُنْطَق بها. فافرَحِي أيَّتُها المسكونةُ إذا سَمِعْتِ، ومَجِّدِي مع الملائكةِ والرُّعاة الَّذي سيظهَرُ بمشيئتِهِ طفلًا جديدًا، الإلهَ الَّذي قبل الدّهور.