موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٧ أغسطس / آب ٢٠٢١

تجَلّى فتمجَّدَ

بقلم :
المطران كريكور كوسا - مصر
تجَلّى فتمجَّدَ

تجَلّى فتمجَّدَ

 

"لا تُخبِروا أَحدًا بِهذِه الرُّؤيا إِلى أَن يَقومَ ابنُ الإِنسانِ مِن بَينِ الأَموات" (متى ١٧: ٩)

 

لقد حدّث الرّب يسوع المسيح تلاميذه كثيراً عن عذاباتهِ، آلامهِ وموتهِ، وتنبّأ لهم عن الآلام الّتي سيتحمّلونها بأنفسهم والموت القاسي الّذي سينالونه يوماً ما (متى ١٦: ٢١-٢٦).

 

لهذا السبب، وبعد أن قال لهم هذه الأشياء القاسية والصعبة جداً، جرّب أن يعزّيهم بالتذكير بالمكافآت الّتي سيعطيها عندما يأتي في مجد أبيه "سوف يأتي ابْنُ الإنسان في مجدِ أبيهِ ومعه ملائكتُه، فيُجازي يومئذٍ كُلَّ امرِىءٍ على قدرِ أعمالهِ. الحقَّ أقولُ لكم: مِنَ الحاضرين ههُنا من لا يَذوقون الموتَ حتّى يُشاهِدوا ابنَ الإنسان آتياً في ملَكوتِهِ" (متى ١٦: ٢٧-٢٨).

 

لقد أراد يسوع أن يُظهِر لهم مسبقاً عظمته الكبرى بقدر ما استطاعوا التحمّل في هذه الحياة، كما أراد بأن يُريهم عظمته الّتي سوف يعود بها (في مجيئه الثّاني) لكي يجنّبهم الاضطراب والألم الَّذين سوف يشعر بهما الرّسل في ساعة آلامهِ موتهِ، وخاصةً القدّيس بطرس.

 

"وبعدَ سِتّةِ أيام مَضى يسوعُ بِبُطرسَ ويَعقوبَ وأَخيه يوحَنَّا، فانفَردَ بِهِم على جَبَلٍ عالٍ، وتَجلَّى بمَرأى مِنْهُم، فأشَعَّ وجهُهُ كالشّمس، وتلألأت ثيابُه كالنُّور" (متى ١٧: ١-٢).

 

لماذا لم يأخذ يسوع معه إلّا هؤلاء الرسل؟

 

لأنّهم، ومن دون شك، يتقدّمون الآخرين:

 

فالقدّيس بطرس، بسبب حماسه وحبّه.

 

والقدّيس يوحنّا، لأنّه كان التلميذ الّذي أحبّه الرّب يسوع (يوحنا ١٣: ٢١).

 

ثمّ القدّيس يعقوب لأنّه بعدما سأله يسوع ولأخيه يوحنا: "أتستطيعان أن تشربا الكأسَ التي سأشربها؟" قالا له: "نستطيع" (متى ٢٠: ٢٢)، وأيضًا، لأنّه التزم بكلمته لاحقًا "فقتلَ الْمَلِكُ هيرودُس بحَدِّ السيفِ يَعْقُوبَ أَخا يوحنّا" (أعمال الرُسُل ١٢: ٢).

 

لماذا ظهر الرّب يسوع مع موسى وإيليّا؟

 

لقد اتُّهم بلا انقطاع بإنتهاك الشريعة والتجديف ، وبالاستيلاء على مجدٍ ليس له: "مجد الآب". فلكونهِ أراد أن يُظهر أنّه لم ينتهك الشريعة ولم يستولي على مجد ليس له، إستعان الرّب يسوع بسلطة شاهدَين لا عيب فيهما أبدًا: موسى، الّذي أعطى الشريعة، وإيليّا، الّذي احترق بغيرة شديدة على مجد الله وخدمته: "إنّي غِرتُ غَيَرةً للرَّبِ..." (الملوك الأول ١٩: ١٠).

 

لقد أراد أن يعلّم أيضًا أنّه هو سيّد الحياة والموت، وأنّه أتى بإنسانٍ ميت (أي موسى)، وبإنسانٍ آخر حُمل حيًّا في عربةٍ من نار (أي إيليّا) "وصعِدَ إيليّا في العاصفة نحو السماء، واليشاعُ ناظِرٌ وهو يَصْرُخ: "يا أبي، يا أبي..." (الملوك الثاني ٢: ١١).

 

كما أراد السيد المسيح أن يكشف لتلاميذه مجد صليبه وأن يعزّي ويشجّع بطرس ورفاقه الخائفين من آلامه "لا تخافوا، قوموا فصَلّوا لئلاَّ تقعوا في التجرِبة" (لوقا ٢٢: ٤٦).

 

لقد تكلّم موسى وإيليّا معه عن المجد الّذي سوف يناله في أورشليم (لوقا ٩: ٣١)، وهذا يعني أنّهما تكلّما عن آلآمِهِ وصلبِهِ الَّذين سمّاهما الأنبياء دائمًا: "مجده".

 

 

المطران كريكور اوغسطينوس كوسا، اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك