موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يشكّل المسيحيون في الأردن جزءًا أصيلًا من نسيج هذا الوطن، حاضرين في تاريخه، ومتجذّرين في أرضه، وشركاء حقيقيين في بناء دولته وهويته. لم يكونوا يومًا أقلية على هامش المجتمع، بل مكوّنًا وطنيًا راسخًا، أسهم في النهضة السياسية والاقتصادية والثقافية، وترك بصمته الواضحة في مسيرة الدولة الأردنية الحديثة.
وفي ظل القيادة الهاشمية، ترسّخت قيم العيش المشترك واحترام التنوّع الديني بوصفها نهجًا ثابتًا لا شعارًا عابرًا. فمنذ عهد الشريف الحسين بن علي، مرورًا بالملوك الهاشميين، وصولًا إلى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، بقيت حماية دور العبادة، وصون كرامة الإنسان، وتعزيز المواطنة المتساوية، ركائز أساسية للدولة. وقد جسّد الأردن نموذجًا عربيًا متقدّمًا في العيش المشترك، حيث لا يُسأل المواطن عن دينه، بل عن عطائه وانتمائه.
وفي هذا العام، تقف شجرة الميلاد في الدوار السادس بعمان كرمزٍ مضيء لهذا المعنى العميق. ليست مجرد زينة موسمية، بل رسالة وطنية تقول إن الفرح في الأردن مشترك، وإن الأعياد مساحة لقاء لا تفرقة. تضيء الشجرة سماء العاصمة، فتنعكس أنوارها في قلوب الأردنيين جميعًا، مسلمين ومسيحيين، كأنها تذكير صامت بأن هذا الوطن يتّسع للجميع.
وتعيد هذه المشاهد إلى الذاكرة زمن الجيران في البيوت القديمة؛ حين كان العيد مناسبة يطرق فيها الناس الأبواب بلا مواعيد، ويتبادلون التهاني والحلوى والخبز الساخن، دون أن يسأل أحد عن الاختلاف. كان الجار جارًا قبل أي توصيف آخر، وكانت الأعياد عنوانًا للودّ والتكافل، لا للمظاهر أو التكلّف.
واليوم، وبرغم تغيّر الزمن وتسارع الإيقاع، ما زال المجتمع الأردني يثبت رقيّه في استقبال الأعياد، محافظًا على جوهر القيم التي نشأ عليها: الاحترام، والفرح المشترك، والاعتزاز بالآخر. ففي تهاني الشوارع، وزيارات المسؤولين للكنائس، ومشاركة العائلات فرحة الميلاد، تتجسّد صورة الأردن الذي نحبّه.
إن قصة المسيحيين في الأردن ليست قصة طائفة، بل قصة وطن اختار العيش المشترك نمط حياة، والإنسانية هوية، وجعل من الميلاد مناسبةً لتجديد الأمل، وترسيخ معنى أن الوطن، حين تُحترم فيه التعدّدية، يصبح أكثر دفئًا، وأكثر قدرة على الحياة.
(الرأي الأردنية)