موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٦ سبتمبر / أيلول ٢٠١٩

"السّمة" في الكتاب المقدّس ليس الـ"سيم" الإلكتروني

بقلم :
أشخين ديمرجيان - القدس

الشريحة الالكترونية عبارة عن دائرة إلكترونية متكاملة توفّر للمشترك في خدمات الشبكات الخليوية رقمًا مميّزًا. وهذه الشريحة موجودة تقريبًا في قلب كلّ جهاز في المكتب ومكان العمل والمنزل، في الهواتف النقّالة والأجهزة اللوحية والأجهزة الطبية والحاسوب واللابتوب وبطاقات الائتمان وإشارات المرور والسيارات والأجهزة المنزلية وقد مرّ 61 عامًا على اختراعها. وبعد أن كان حجمها كبيرًا يشبه حجم بطاقات الائتمان في تسعينات القرن الماضي، تضاءل حجمها مع مرور الزمن حتى وصلنا إلى شريحة ميني سيم في نهاية التسعينات ثم شريحة مايكرو سيم سنة 2003 ثمّ شريحة نانو سيم سنة 2012 ثم الشريحة الإلكترونية eSIM سنة 2016. الشريحة الإلكترونية eSIM تتفوّق هذه الشريحة على غيرها في أمور كثيرة أهمّها أنّ المشترك لا يحتاج إلى تغيير رقمه لدى انتقاله من شركة اتّصال إلى أخرى. وبإمكانه إضافة أكثر من رقم عليها من غير شراء شريحة جديدة. وحاليًا هناك بعض الأجهزة التي تحتوي على هذه الشريحة. كان تطوّر الشريحة ليُصبح من السيليكون بداية فعلية لصناعة الكمبيوترات الحديثة. كما أنّ الاتصالات ووسائل النقل الحديثة والطب والصناعة والتجارة تعتمد كلّها على قوّة معالجة البيانات المذهلة لهذه الشرائح المصغرة. وسبب نجاح الشريحة هو انخفاض التكلفة في تصنيعها، فهي مع كلّ مكوّناتها، تُطبع كوحدة واحدة. وقد استُخدمت لأوّل مرة تجاريًّا في حواسيب للقوّات الجوّيّة الأمريكيّة عام 1961 وواصل "جاك كيلبي" مخترع الشريحة أبحاثه، وابتكر أول آلة حاسبة تُمسك في اليد، وحاز بها على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2000. كذلك تمتلك شركة إنتل 15 وحدة لتصنيع رقائق السليكون وتكلّف بناء كلّ وحدة ثلاثة مليارات دولار. تقوم شركة سويديّة ناشئة في مجال التكنولوجيا، بزرع رقاقات في أيادي موظّفيها منذ عام 2015 وحتى الآن. في ستوكهولم عاصمة السويد، بدأت شركة "إيبيسنتر"Epicenter، بزرع الرُقاقات تحت الجلد، لكن بشكل اختياريّ، لجعل حياة موظفيها أكثر سهولة على حدّ قولها. هذه الرُّقاقة التي لا يتجاوز حجمها حبّة الأرز، تعمل بشكل مشابه للبطاقة الممغنطة، التي تُستخدم لفتح الأبواب ونَسخ الوثائق وتشغيل أجهزة الطباعة، وجمع وتخزين المعلومات، واستخدام وسائل المواصلات، أو فتح وإغلاق السيارة وطلب وجبات من كافتريا الشركة... كما أنّها تحلّ محلّ بطاقات الائتمان في عملية الدفع، والمفاتيح والتعاملات المصرفيّة من سحب أموال أو إيداعها عن طريق تلويح الموظف بيده في مواجهة الماسح الضوئي. والمستفيد الأوّل من زرع هذه الرقاقة هم قراصنة البرامج، إذ يُمكنهم الدخول إليها وسرقة المعلومات منها، كما يجري مع الحواسيب العاديّة، ومع ذلك فإنّ هذه الرقاقة تلقى رواجًا كبيرًا بين موظفي هذه الشركة. ومن ناحية أخرى، يقول بعض الخبراء إنّ الخطوة التكنولوجيّة التالية، ستكون في نقل الإكترونيّات من الأجهزة كالحواسيب والهواتف الذكيّة وبطاقات الائتمان المصرفيّة إلى جسد الإنسان. وراء هذا المشروع السيّد "هانس سيجوبال" صاحب مشروع الرقاقة في الشركة. وهناك رقاقات تقيس حرارة جسم الإنسان وضغط الدم وحركات العضلات... وأُنفقت ملايين الدولارات لإيجاد أنسب مكان في الجسم لزرع الرقاقة، ووجدوا أنّ ظهر كفّ اليد اليمنى والجبهة هما الأنسب بناءً على أبحاث طبّيّة. إلى هنا الخبر صحيح. ولكن ما يُثير الجدل هو تفسير بعض الأفراد للكتاب المقدّس تفسيرًا خاطئًا، وقد نسبوا السمة المذكورة في سفر الرؤيا إلى شريحة "السيم" المصغّرة "الرّقاقة"، واستنتجوا أنّنا في نهاية الأزمنة، على الشكل التالي: "بما أن الرّقاقة الإلكترونيّة تُزرَع في اليد اليمنى أو الجبهة فقط، وبما أنّ سمة الوحش المذكورة في سفر الرؤيا توضع على اليد اليمنى أو الجبهة في آخر الأيام، اذن سمة الوحش تعني السيم (أو الرقاقة الإلكترونيّة) وبناءً عليه اقتربنا من نهاية العالم. حسب نبوّات كلمة الله في سفر الرؤيا عن السمة والتي ورد ذكرها ستّ مرّات، ومنها الآية: "... تُصنع لهم سمة على يدهم اليمنى أو على جبهتهم، وأن لا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع إلاّ مَن له السمة ومَن لا يقبلها سيتمّ قتله... وسيحدث هذا في نهاية العالم". لكن هذه السمة بناءً على تفسير آباء اللاهوت المتضلّعين في تفسير الآيات تفسيرًا صحيحًا، بعد دراساتهم العميقة في الكتاب المقدّس لسنوات طويلة- في حزقيال 9: 4 وردت كلمة "سمة" أو Taw وتعني علامة الصليب، وممّا يجلب الانتباه أنّ الحرف اليوناني Taw أو الحرف اللاتيني T يُكتبان أيضًا بشكل صليب، ويشير العلاّمة أوريجانوس إلى هذا متحدثًا عن السمة أنها علامة الصليب. هذه هي العلامة التي تحفظ المؤمن. حاملو السمة تتّسم جباههم بعلامة الصليب لكي لا يهلكوا، إنهم يحملون العلامة بطريقة سرّيّة وليس علنًا، كي تُحفظ نفوسهم في حمايته الإلهيّة، وينالون الخلاص الأبديّ ويفوزون بالنعيم، ولا علاقة للسمة بالرّقاقة الإلكترونيّة لا من قريب ولا من بعيد. أي لا علاقة بتاتًا ما بين "السمة" في سفر الرؤيا والـ"سيم" SIM الالكتروني. خاتمة بعض الجماعات تلجأ إلى استنتاجات سطحيّة، وتفاسير عقيمة، لمجرّد تصفّح الكتاب المقدّس. مع أنّه لا ضرورة لتأويل الكلام المقدّس، إلاّ بعد نيل شهادة عالية من جامعات معترف بها لاهوتيًّا. دعوا التفسير لذوي الاختصاص، وكفاكم تشويشًا لأفكار المؤمنين بتعليقات خاطئة أو بتنبّؤات كاذبة عن نهاية العالم واقترابه، من أجل بيع المنشورات والكتب بشكل أكبر وللحصول على تبرّعات أكثر أو لمصالح مادية أخرى.