موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ١٢ سبتمبر / أيلول ٢٠٢١

التطرف ينهض من جديد

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي

رمزي الغزوي :

 

دون الارتكاز إلى قدرات هائلة في الاستشراف يمكننا بكل بساطة وعفوية أن نتوقع، في الذكرى العشرين لأحداث 11 أيلول الموجعة، تكرار حدوثها من جديد، وربما بقوة أكبر وأعنف، في عالم لم يعد باباً موصداً في وجه جماعات التطرف والإرهاب. وهذا ليس تخويفاً بقدر ما هو توقع له ما يبرره في زمن بات أكثر خصوبة لإعادة انبثاق تلك الجماعات وتمددها وقدرتها على الضرب.

 

فبعد صرف ترليونات الدولارات وعقدين من الزمان ومئات الآلاف من القتلى والمشردين واللاجئين تعود أفغانسان إلى حضن طالبان رافعة راية الأمل لكل المتطرفين بقدرتهم على النهوض من جديد. فهذه الجماعات تعيش الآن أفضل حالاتها على الإطلاق، في اليمن في سوريا في العراق في أوروبا وفي كل مكان. والأهم أن لها منابر ومنصات فاعلة على الانترنت تتغلغل من خلالها في المجتمعات.

 

غزت أمريكيا أفغانستان لتأديب طالبان وإسقاطهم لاحتوائهم القاعدة المسؤولة عن تلك الأحداث الدامية. ولكنها خرجت عرجاء منكسة آمال أية قوى عسكرية تطمح يوما ما في دحر الإرهاب والتطرف بقوة الرصاص. فعالمنا للأسف الشديد لم يتعلم رغم كل الألم المجني. فالكل حارب قوى التطرف بالسلاح والجيوش والحروب الجراحية والبينية. ولكن ماذا كانت النتيجة؟. إنها ببساطة عودتنا إلى المربع الأول، وكأنك يا أبا زيد ما غزيت.

 

وهنا المأزق الصعب. فالكل حاول أن يقضي على التطرف بالقوة العسكرية فقط، مع أن الإرهاب فكرة وأفكار، قبل أن يكون حزاماً ناسفاً أو طائرة مخطوفة أو انتحاريا فاقد البصيرة، أو جماعة تتصرف كسرطان. ومن المعروف أن الأفكار عصية على أن تدحر بقوة السلاح وحدها. وهذا له شواهد خوالد في التاريخ. بل تحتاج تلك الحروب دوما إلى قوى أفكار مضادة مع رصاص معاركها.

 

فأمريكيا لم تستخدم الطائرات لإسقاط الشيوعية، بل خاضت لأجل هذا مواجهة ثقافية فكرية نجحت فيها إلى حد كبير بالتعاون مع حلفائها. وهنا ينبري السؤال: ماذا لو أن كل تلك الأموال والجهود التي بذلت في سبيل محاولة القضاء على القاعدة أخواتها وضعت في مسرب تحصين خطوط الدفاع الثقافية عند الشعوب وتمكينها من مقاومة التطرف عبر الأفكار ومن خلال؟. هل كان عالمنا سيكون مهددا بعودة التطرف ليضرب من جديد؟.

 

(الدستور الأردنية)