موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٢ مايو / أيار ٢٠٢٣

الإنسان عدوّ نفسه!

محمد السماك

محمد السماك

محمد السماك :

 

يُنقل عن المستشار الألماني الأسبق «أوتو فون بسمارك» قوله بأن «السياسة فنّ الممكن». فهل هناك «فن ممكن» لإنقاذ الحياة على الكرة الأرضية من التهديدات التي يمثلها ارتفاع مستوى التلوّث في البرّ والجوّ والبحر، واستمرار هذا التلوث في الارتفاع نتيجة الحروب والمناورات العسكرية؟

 

يجمع علماء البيئة على أن الضحية الأولى للحرب في أوكرانيا وللتوتر الحربي في تايوان، هي البيئة. والأمم المتحدةُ تصنّف الدولَ الكبرى الثلاث، روسيا والولايات المتحدة والصين، على أنها أكثر دول العالم مساهمةً في تلوث البيئة. الولايات المتحدة والصين وحدهما تساهمان بنسبة 40 في المائة من إجمالي الإنبعاثات الكربونية.

 

وفي الوقت الذي توجَّه النداءاتُ لدول العالم للمساهمة في تخفيض هذه الإنبعاثات السامّة التي غيّرت مناخ الأرض وعرّضتها للأخطار الدائمة، فإن العمليات العسكرية، الروسية والأطلسية في أوكرانيا، والمناورات العسكرية الصينية والأميركية حول تايوان بحراً وجواً، تساهم في زيادة التلوث، وتعرّض الحياة على الكرة الأرضية (حتى من دون حروب) إلى مزيد من المخاطر.

 

وبدلاً من التعاون الدولي الذي أُقرّ في مؤتمرات عديدة سابقة لتخفيض الانبعاثات الكربونية بهدف تخفيض حرارة الكرة الأرضية ولو درجة واحدة، فإن العمليات العسكرية في أوروبا والمناورات العسكرية في الشرق الأقصى تبثّ المزيد من الانبعاثات، الأمر الذي يزيد من الخطر الذي يهدّد الإنسانَ والحياةَ على الأرض.

 

من هنا السؤال: أيهما يتقدّم على الآخر، مصالح الدول المتصارعة أم سلامة الحياة على الكرة الأرضية؟

 

ليست الحروب والمناورات العسكرية بالذخيرة الحيّة وحدها هي التي تزيد من الإنبعاثات الكربونية الضارة. وسائل المواصلات المدنية أيضاً لا تقصّر في ذلك. فمنذ مطلع تسعينيات القرن الماضي وحتى اليوم، ارتفع وزن السيارة العادية أكثر من 12 مرة من وزن ركابها. وزادت الرحلاتُ الجوية أربعةَ أضعاف، معظمها من أجل السياحة. حتى المباني التجارية فإنها تُهدم أو يُعاد بناءُ بدائل عنها حتى قبل أن تمرّ عليها خمسون عاماً. وقد أدّى كل ذلك ويؤدي إلى زيادة الانبعاثات الكربونية بدلاً من انخفاضها.

 

وكان من نتيجة ذلك اتساع مساحة المجاعة في العالَم خلال السنوات الماضية لتشمل عدة ملايين إضافية، والعدد مرشّح للارتفاع حسب دراسات الأمم المتحدة، ما لم تلتزم دول العالَم بالقرارات التي سبق أن وافقت عليها لتخفيض نسبة انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.

 

من النظريات العلمية التي أكد عليها تشارلز داروين أن البقاء والاستمرار ليس بالضرورة للأقوى، ولا حتى للأكثر ذكاءً، إنما للأقدر على التكيّف مع المتغيرات. ويشهد العالَم متغيّراتٍ عميقةً منها المتغيرات المناخية الحادّة التي تعصف بإنسان الكرة الأرضية على مدار العام.

 

غير أن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي تكاد تخنق الإنسانية وتدمّرها، ليست المصدر الوحيد للتلوّث البيئي. إن للتلوّث كذلك مصدراً حيوانياً هو الماشية من البقر والماعز والأغنام. فهذه الحيوانات الأليفة تصدر غاز الميثان، وهو أسوأ وأخطر الغازات. وتقول الدراسات العلمية إن طناً واحداً من هذا الغاز الحيواني يتسبّب في ارتفاع حرارة الكرة الأرضية 86 مرةً أكثر من غاز أوكسيد الكربون الذي تنتجه الآلات الصناعية والمركبات المدنية والعسكرية. لكن من حسن الحظ أن غاز الميثان يتبدّد في وقت قصير نسبياً ويتلاشى بعد عقد واحد فقط من الزمن، وذلك بعكس الغاز الكربوني الذي يبقى ويستمر لفترات طويلة جداً تتجاوز القرن من الزمن!

 

غير أنه لغاز الميثان مصادر متعدّدة، من أهمها مناجم الفحم، إذ يعتقد العلماء أن حجم غاز الميثان الذي يتسرّب من هذه المناجم يصل 13,5 مليون طنّ سنوياً. وأهمّ مناجم الفحم موجودة في الهند والصين والولايات المتحدة.

 

لا تستطيع شركات مناجم الفحم منع تسرب هذا الغاز القاتل خوفاً من انفجاره داخلها. ومع ذلك فإن الدراسات العلمية تؤكد إمكانية تجنّب 75 بالمائة من الانبعاثات الكربونية المترتبة عن احتراق النفط والغاز باعتماد التكنولوجيا الحديثة.

 

وتولِّد التكنولوجيا الحديثةُ الطاقةَ الشمسية والطاقة الهوائية وطاقة الأمواج البحرية وسوها من عطاءات الطبيعة المهدورة.. فهل تحقق هذه التكنولوجيا النظريةَ البسماركيةَ حول «فنّ الممكن»؟

 

(الاتحاد الإماراتية)