موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٨ فبراير / شباط ٢٠٢١

الأسقف الزجاجية وتسَاوِي الفرص

رئيس كلية الكويت للعلوم والتكنولوجيا

رئيس كلية الكويت للعلوم والتكنولوجيا

أ. د. خالد البقاعين :

 

تطرقت في المقالة السابقة عن تمكين المرأة إلى ذكر مصطلح السقف الزجاجي. وفي بعض النقاشات التي تلت نشر هذه المقالة، اتضح ان هناك التباساً لدى البعض في المعنى الحقيقي للأسقف الزجاجية، وكذلك ما بين تمكين المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة.

 

ان تعريف السقف الزجاجي هو وجود حاجز غير معلن او مشرع بتعليمات مكتوبة ومعلنة، او بقانون يمنع فئة او فئات معينة في مؤسسة او شركة او حتى في حكومة من الوصول الى المراتب العليا والقيادية في تلك المؤسسة او الشركة او الحكومة. وتتنوع أسباب وجود هذا الحاجز حسب بيئتها الى اسباب عرقية او دينية او طائفية او اجتماعية او غيرها. وهذه الممارسات في العادة تؤدي الى نشوء الطبقية والفئوية من ناحية، والى انتشار الإحباط والنقمة من ناحية اخرى.

 

وتعد اهم مقاييس التطور السياسي والاجتماعي في اي دولة بمقدار قدرة المجتمع على تحطيم هذه الأسقف. فعلى سبيل المثال، لم يحدث في اي من الديموقراطيات الغربية المتأصلة لمئات السنين ان تبوأت سيدة منصباً سياسياً تنفيذياً الى أن وصلت المرأة الحديدية مارغريت تاتشر الى سدة الحكم في بريطانيا عام 1979، وأدى وصولها وأداؤها الى كسر هذا الحاجز ووصول العديد بعدها في الدنمارك والبرتغال وألمانيا. وبقاء في بريطانيا، فلقد عمدت الحكومات الأخيرة هناك الى تعيين وزراء من اصول آسيوية في حقائب سيادية كوزارتي الداخلية والمالية، وان كانت الدوافع انتخابية اكثر من كونها من اجل العدالة، إلا انها كسرت سقفاً زجاجياً آخر. وعلى الرغم من هذا التطور في القطاع الرسمي، فما زال هناك الكثير منها في المجتمع البريطاني، فمثلاً وبحسب دراسة نشرتها صحيفة الإندبندت، تشكّل نسبة رؤساء الجامعات في بريطانيا من الأقليات العرقية اقل من %2، وفي المراكز العليا والإدارية اقل من %6، على الرغم من وجود %24 بين اعضاء الهيئة الأكاديمية في تلك الجامعات من هذه الفئات.

 

وحتى اذا نظرنا الى الديموقراطية الاولى في العالم، فلقد انقضت 220 عاماً منذ اقرار الدستور الأميركي الذي يقر المساواة والحقوق عام 1788، لكي يتمكن أول شخص من اصول افريقية من الوصول الى الرئاسة عام 2008، ولعل هذا هو سبب الاحتفال الكبير بوصول كامالا هاريس الى منصب نائب الرئيس، مما يؤكد تحطم هذا الحاجز، كما حطمت حاجزاً آخر كونها امرأة بعد فشل هيلاري كلينتون على مدى عشرين عاماً.

 

وعودة الى عالمنا العربي، نجد ان الأمور تزداد تعقيداً نتيجة اختلاط الاسباب المذكورة سابقاً بعوامل جديدة، ومنها العوامل القبلية والطائفية والعادات والتقاليد وغيرها. فعلى سبيل المثال، عملت دساتير العديد من الدول (ان وجدت اصلاً) على تحديد الشروط الواجبة في رأس الدولة من حيث الأصل والديانة احياناً، ولكنها لم تحدد في الغالب شروطاً مشابهة للمناصب الاخرى، ولكن الكثير من العوامل المذكورة ادت الى خلق أسقف زجاجية للكثير من الفئات لهذه المناصب ايضاً.

 

والحقيقة ان الفئات المتضررة من وجود هذه العوائق ليست هي وحدها الخاسرة، بل إن المؤسسات والحكومات ومن ثم الدول المعنية هي ايضاً خاسرة، لانها تمنع الكثير من المواهب والقدرات القيادية المميزة والقادرة من الوصول وتقديم الأفضل، وتحصر هذه المناصب في فئات معينة قد لا تكون في نفس مستوى الكفاءة الكافية.

 

ولربط ما سبق مع موضوع تمكين المرأة، فإن كسر الحواجز الزجاجية لوصول المرأة للمناصب القيادية في المؤسسات العامة والخاصة لا يعني باي شكل من الأشكال ارغام وفرض مساواة اعداد الذكور والإناث في المناصب واللجان العليا، لان هذا سوف يؤدي الى ظلم واختلال.

 

إن المطلوب هو تأمين التساوي في الفرص، ليتمكن الأفضل اداء وقدرة من الوصول بغض النظر عن اية اعتبارات اخرى، وهذا يختلف كلياً عن الفرض الشكلي للمساواة. وينطبق هذا على جميع انواع التمييز، ان كان عرقياً او دينياً او طائفياً او قبلياً. ان التساوي والعدالة في الفرص يخلقان حافزاً تنافسياً شرعياً بين جميع فئات المجتمع، ويزيلان اهم اسباب الاحتقان الاجتماعي.

 

(القبس الكويتية)