موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١٧ ابريل / نيسان ٢٠٢٣

إنه فجر القيامة يا سادة!

القس سامر عازر

القس سامر عازر

القس سامر عازر :

 

صحيح أن إحدى تسميات هذا العيد الكبير هو أحد الفصح المجيد على إعتبار أن كلمة الفصح السريانية الأصل تعني «العبور» من حالة إلى أخرى، ومن وضع إلى آخر، إذ أن المسيح قد عبر بنا بموته وقيامته من عالم الموت إلى عالم الحياة. وليست الحياة المقصودة هنا فقط الحياة الآتية أو ما نسميه الحياة الأبدية أو الآخرة، بل الحياة التي نحياها اليوم في دنيانا، في جسدنا، في لحمنا ودمنا، الذي مزّقته الخطيئة وأسقطته من النعمة الإلهية ومن الفردوس الإلهي.

 

يخطئ الكثيرون الذي ينتظرون فقط حياة أبدية قادمة لا محالة وينسون أو يتناسون أهمية الحياة الدنيا، لأن الحياة التي وهبها لنا المسيح هي حياة أيضاً لحاضرنا اليوم منذ أن دُحرج حجر القبر الكبير الذي يُقفل على الحياة وعلى عبقها الشَذِي بجمالها وروعتها وبهائها، مكللة بشريعة المحبة الإلهية وهي المحبة التي يجب أن تُغلّف حياة البشر كلهم على إختلاف مشاربهم وخلفياتهم وعقائدهم. فالحياة ليست مجرد قداديس الآحاد وجدران الكنائس بل الحياة هي إنطلاقة من الإرتواء من نبع الحياة لنشر ثقافة الحياة والحب والأخوَّة الإنسانية في كل مكان وفي كل زمان.

 

ربما هذا ما يفتقده العالم اليوم، الذي أصبح يمتلك كل شيء، ويتملك آخر صرعات الإختراعات العملية والتكنلوجية وعالم الإتصالات وثورة المعلومات الرهيبة، لكنه أصبح فقيراً حقاً ومائتا بما يخص مفهوم المحبة الإلهية، فأصبح العالم يدور حول نفسه، وحول شهواته وحول ثروته وداخل سور قصره، ونسينا أن الحياة الحقيقية تكون في إسعاد الآخرين والمساهمة في تنميتهم وتثقيفهم وزرع الوعي فيهم وتمكينهم ليكونوا مستقلِّين منتِجِين وعاملين معطائين.

 

إنها القيامة يا سادة، فهي تُعيد لمسامعنا أهمية أن نقوم مع المسيح اليوم، فحدث القيامة التاريخي الذي شهد له التلاميذ الأولون في قدس القيامة، وشهدت له الكنيسة عبر السنين وشكل دماء الشهداء بذار الكنيسة الحية، لأنَّ الكنيسة أكبر من مفهوم بناء حجري ومكان عبادة لتتعداه إلى حياة المؤمنين حيث يسكن روح الله القدوس وحيث تسود روح القيامة الحقة، فروح قيامة المسيح تسكن في أجسادنا المقدسة التي تقدّست بفعل معموديتنا بالماء والروح القدس، لنحيا حياة القداسة رغم ضَعفنا ورغم شكنا ورغم خياتنا ورغم مخاوفنا إلا أن قيامة المسيح قد بددت كل خوف وكل حزن وكل ألم وحولت مخاوفنا وأحزاننا وآلامنا وسقطاتنا إلى أفراح القيامة المجيدة التي تسمو على كل الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، لا وبل تجدد فينا هذه الروح العزيمة والإصرار كأبناء العهد الجديد، أبنار نور القيامة ونور الحياة أن نسكب حياتنا تضحية وعطاء وخدمة لأنها الطريق التي يقيمُ المسيح بواسطتها عالمنا المائت لحياة آدم الجديد الذي يخشى الله فوق كل شيء ولا تغريه المناصب ولا مباهج العالم كله ولا سياداته في سبيل التخلي على التمسك بكلام الله الحي والمحيي والسجود لإسم الله تعالى، فالله وحده، من تجوز له العبادة ومن يجوز له السجود»

 

أنها القيامة يا سادة! فهل ما زلنا من أهل القبور؟ هل ما زلنا نعيش ما بين الجمعة العظيمة وفجر القيامة المجيدة؟ كثيرون لم يتفكروا بعد بجوهر إيمانهم وبحقيقة قيامة المسيح حجر الزاوية في إيماننا المسيحي لأنه «لو لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضاً إيمانكم».

 

فمسيحيتنا المشرقية يجب أن يتجلى بها اليوم حياة القيامة الحقة مع المسيح، فتكون حياةً للموت من أجل الحياة، وتكون حياة للبذل والعطاء من أجل نمو سنابل القمح من جديد، وتكون حياة للتضحية من أجل أن يحيا الآخرون حياة الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية.

 

إنها القيامة يا سادة! فهل نستعيد ألق قيامتنا مع المسيح، أم نبقى نعيش في قبور العالم النتنة التي لا تقدم إلا المكاره والمفاسد؟ إن قيامة المسيح هي عطية لنا اليوم لنقوم معه لجدّة الحياة لكي تستقيم أمامه كرائحة البخور الذكية الصاعدة إلى السماوات.

 

كل عام وأنتم بألف خير

 

(الدستور الأردنية)