موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٣ يوليو / تموز ٢٠٢٤

إنها ... حقيقة الحياة

بقلم :
المونسنيور بيوس قاشا - العراق
المونسنيور بيوس قاشا، راعي كنيسة السريان الكاثوليك في بغداد

المونسنيور بيوس قاشا، راعي كنيسة السريان الكاثوليك في بغداد

 

ما أدراك ما حقيقة الحياة... إنها مساهمة إيمانية ولدت متزامنة مع عيد انتقال أمّنا القديسة مريم العذراء إلى السماء، وكُتبت لها الحياة في ولادتها، وهمّي الوحيد العمل على تبنّيها لتصبح حقيقة معاشة كل يوم، وهي تدعو الجميع لكي يعيشوا إيمانهم كل صباح، لذا أرجو من الجميع أن لا تجعلوها جنيناً وجسداً بلا روح بل رسالة ترافقكم جميعاً من أجل الأفراح والمسرّات، من أجل الأحزان والآلام، من أجل العمل والراحة، من أجل الأسرة كما من أجل الفرد، لتكون لكم مجالاً للتساؤل والتفكير وحقيقة الوجود. ولقد جعلتُ منها كتيّباً بسيطاً تحملونه حيث تقودكم مسيرة الحياة، لذا أملي أن أراه بين أناملكم علامة من أجل مستقبل الإنسان في السير في طريق السماء مملوءاً بقيم المسيحية الأمينة، لتكبروا في القامة والنعمة والحكمة (لو52:2) وتبلغون إلى ملء قامة المسيح (يو14:1) الذي أعطى حياته من أجلنا. فحقيقة الحياة هي من أجلكم جميعاً، تجدونها بينكم ومعكم، تحدثكم في كل صباح ونهار جديد.

 

فالحقيقة أن المسيح هو "الطريق والحق والحياة" (يو6:14) هو الإنجيل والبشرى السارة حيث قال "قولوا الحق، والحق يحرركم" (يو32:8) فإلى هذه الطريق يرشدنا الرب، وفيها نذهب، ونسير نحوه ونحو ملكوته... فحقيقة الحياة تعلّمنا:

 

- أنَّ يسوع المسيح هو الذي قال لنا أن الله أب وأنه محبة، وتقودنا هذه الحقيقة إلى أن نكون تلاميذ للذي قال "فليضيء نوركم قدام الناس ليروا أعمالكم الصالحة" (متى16:5) أو أن نكون تلاميذ لهذا العالم الذي يستبدل اللؤلؤة الثمينة بالحُلي المزيفة ويكتفي بها، وما هو نفعها إذا لم نكن قد تعلمنا شيئاً من هذا المسيح، فما هو نفع رسالتنا وتعليمنا إن لم نكن أمناء لحقيقة الحياة.

 

- أنَّ المسيح مات ولم يتنازل عن أمانته لرسالته. مات يسوع ولا زال المجرّب يلاحقه ولكنه انتصر لأنه ظلّ متّكلاً على أبيه السماوي. مات يسوع وهتف الجندي "كان هذا الرجل ابن الله حقاً" (مر39:15). نعم فلنسأل: هل نستطيع من أن ننتزع اعترافاً من خصومنا بأننا كنا فعلاً أبرياء في الحقيقة؟ فلا المدح ولا الثناء ولا الترصد ولا التنصّت كان لهم أثراً على يسوع أو القيام برسالته... ونحن!؟.

 

- أنَّ المسيح لا يطلب منا محو الفقر من العالم وأن نلغي الآلام والشقاء وإنما يطلب منا أن نرى الشقاء وأن نسمع الأنين ولا تكون قلوبنا من حجر وإنما من لحم ودم (حز19:11) ، فنحن في الحياة نكون مقاتلين بسلام لنزرع المحبة فينبت السلام بماء الحقيقة الذي نسقي به نبتة المحبة لنجعل من دنيانا خضراء.

 

- أنْ نمنح شهادة للعالم وللذين من حولنا في حياتنا اليومية وفي علاقاتنا مع بعضنا البعض في قرانا ومدننا، بين أقربائنا وأصدقائنا، ونسأل فيها أنفسنا: هل نشهد للمسيح الحي أم نحكي عنه مثل ذلك الذي يجلس في مجالسنا الشعبية حيث الرفع والنصب والمدح والذم، ونجعل أنفسنا منزّهين عن كل خطأ وننسى حقيقة المسيح الذي صَبَغْنا أنفسَنا بصبغة العماذ باسمه.

 

- أنْ نرى الله في الآخرين، وتعلمنا أن العلاقات لا تعيش طويلاً إذا لم نرَ الله في الآخرين في العيش المشترك، في التسامح والحوار، وما هو موقفنا أمام الذين ينتظرون بَسْمَتَنا وكلمتنا، وهذا ما يدعونا إلى أن تكون عيوننا حاضرة وشفافة، وعلينا أن نصغي ونتعلم قراءة الأزمنة فالإنسان هو الذي يعلّم من خلال مسيرته الحياتية وليس الكتاب فقط.

 

- أنْ نكون طلاب في مدرسة المسيح، فنحن مؤتمنون على تربية أجيالنا وإعداد أنفسنا في إصلاح ذواتنا من الحقد والكراهية والأنانية والفساد، وهذا أهم من إصلاح الفروض والواجبات. فما الفائدة من إنسان مخادع ومنافق يقول "تعلّموا مني" وهو يعمل عكس ما يعرف أو عكس ما يعلّم أو عكس ما يحيا.

 

- أنْ نُهيئ أنفسنا كي لا نتآمر على أنفسنا فننفذ المؤامرة على بعضنا البعض، بل هي دعوة ضمانة كبيرة في أن يكون المسيح معنا حتى انتهاء العالم وخاصة في هذه الظروف التي تمرّ بها البلاد، فنتصرف - ولا يجوز ذلك - وكأننا لسنا أصحاب رسالة أو كأن المسيح لم يعدنا بشيء ولم يوصِنا بشيء ولم يترك لنا وصية.

 

- أنه لا بديل عن كلمة الله لتستنير عقولنا وقلوبنا ونخرج من سجن الجهل والتعصب والغرور والإدّعاء بأننا وحدنا في الحقيقة، والحقيقة عند ذاك ستصبح بلا أساس وبلا برنامج. ولكن الحقيقة رُسمت لنا لتصبح فينا حياة. من هنا يجب على الحقيقة أن تكون حاضرة في مسيرة إيماننا عبر حياتنا الأرضية لننتقل بعدها إلى سماء الحياة.

 

- أنَّ الله يرى مآسينا ويسمع صراخنا فينزل لينقذنا، وهو يؤكد لنا ذلك ويترجّانا كي نسمع نحن له كما يسمع هو لنا، ويتوسل إلينا كما نتوسل نحن لأولادنا عندما يحتاجون إلى عون السماء. فهو لم يدافع عن نفسه أمام التُهم التي قذفه بها عظماء الكهنة والرؤساء الكبار بل ظلّ صامتاً ولم يدافع عن نفسه.

 

- أنَّ البراءة لا تحتاج إلى دفاعٍ لأن الله الذي أحبنا هو يكون معنا وهو مسؤول عن إظهار البراءة رغم صمته. فالصمت عنده أفضل دفاع عن البراءة، وهو يقول الحقيقة بدلاً عنا عندما يتّهمنا الناس وكبار الزمن والدنيا ونحن أبرياء لأننا ندافع عن أنفسنا وبصمتنا فهكذا دافعت القديسة مريم بصمتها عن نفسها وكذلك يوسف البتول بصمته... إنه الصامت الكبير. فكلنا مدعوون إلى التوقف قليلاً للتفكير ملياً بكل ما فعل... فصمتنا يعني صلاتنا ويعني قبولنا لكلمة السماء.

 

- أنَّ الصفح والغفران والتواضع والتجرد والرحمة كما تعلمنا أن لا ننهي نهارنا كما بدأناه أي نخرج من الصلاة كما دخلناها، وفي ذلك تقودنا إلى أن نجد أنفسنا معنيين بكلمة المسيح. فمن الواجب أن نعيد النظر في صلواتنا وفي عباداتنا كي تبقى حقيقة من أجل حقيقة المسيح وحقيقة الحياة كهدف أمين لمعرفة مشيئة الله والقبول بها وليس فقط الحصول على أشياء دنيوية.

 

نعم، إنها حقيقة الحياة من أجلك ومن أجلي، فهي لكَ ولكِ وللعائلة، لكبار الزمن وصغار الدنيا، وهذه هي حقيقة الحياة في كل صباح من أجل الإنسان ليكون إنساناً مدعوّاً من السماء من أجل الإنسان.

 

أعزائي القرّاء: بإمكانكم الاستماع إلى حقيقة الحياة كل يوم عبر الموقع الرسمي لرعية مار يوسف للسريان الكاثوليك في بغداد ضمن متصفح اليوتيوب تحت عنوان "عائلتي رعيتي مار يوسف"... وأخيراً المجد ليسوع المسيح، نعم وآمين.