موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ١٩ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٤

أسبوع الصلاة من أجلِ وحدة المسيحيين

الأب د. سالم ساكا

الأب د. سالم ساكا

الأب د. سالم ساكا :

 

كما في كلِّ عام، تحتفل الكنائس المسيحيَّة بأسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين من 18 إلى 25 كانون الثاني. تمَّ اختيار التاريخ التقليدي هذا في عام 1908 بعد اقتراح قدَّمه الأب الانكليكاني والمنتمي فيما بعد الى الكنيسة الكاثوليكية، بول واتسون (Paul Wattson)، لأنَّه يقع، حسب التقويم اللاتيني، بين عيد كرسي القديس بطرس، الذي يُحتفل به في 18 كانون الثاني، وعيد اهتداء القديس بولس الذي يُحتفل به يوم 25 من نفس الشهر. لقد حظي التوقيت هذا ببركة البابا بيوس العاشر (1903-1914)، والبابا بندكتوس الخامس عشر (1914-1922).

 

لقد بدأنا العامَ الجديد للتوِّ، فيه تدعو الكنيسة جميع المؤمنين بالمسيح إلى الاتِّحاد في الصلاة، لكي يدركوا مرة أخرى رغبة ربِّنا ومخلِّصنا الحارَّة في العشاء الأخير “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي” (يوحنا17/21). لكن، كيف يمكننا أنْ نعيشَ وحدتنا كمسيحيين لمواجهةِ شرور عصرنا ومظالمه؟ كيف يمكننا المشاركة في الحوار والنموّ في الوعي المتبادل والتَّفاهم وتبادل  الخبرات الحياتية؟ الجواب هو: إنَّ صلاتنا واجتماعاتنا بقلبٍ واحد، وهذا ما يجب أنْ نؤمن به، لديهما القدرة على تغييرنا، كأفرادٍ وكنائس وجماعات كنسية. لننفتحَ إذن، على حضور الله في كلِّ لقاء واجتماع، إذْ نطلب منه نعمة التغيير، والشفاء من خطيئة الانقسام والكبرياء. ولنلتزم معًا بالنضالِ والسعيّ الجادّ من أجلِ وحدتنا كمسيحيين ووحدة كنائسنا ومجتمعاتنا. إذْ كلُّنا ننتمي إلى مسيحٍ واحد مخلِّص الكلّ.

 

 

وحدة المسيحيين علامة لإيمان العالم بيسوع المسيح

 

إنَّ وحدتنا نحن المسيحيين لها قيمة العلامة الحاسمة ليؤمنَ العالم بيسوع المسيح الـمُرسَل من لدنِ الله الآب، والذي يمنحنا الروح القدس كتعبيرٍ عن الشركةِ العميقة في سرِّ الله الحيّ. ومن هذه الوحدة التي يشترك فيها الآب والابن والروح القدس في نفس الآلوهيَّة، تنشأ شركة الكنيسة الواحدة المقدَّسة الجامعة الرسوليَّة.

 

هذه الحقيقة الأكثر ثراءً في حياتنا كشعبٍ مُعمَّد وأبناء الله بارادةِ المسيح وبفضله، على الرغم من الاختلافات التي لا تزال تفرِّق الكنائس المسيحيَّة وتأتي بالتأكيد من بعيدٍ في التاريخ ونتجت عن أسبابٍ مختلفة، ولأنْ لن نتغلَّب على ذلك من خلال الثقة فقط في قوَّتنا وامكاناتنا. لذلك ينبغي أنْ نحتفلَ بأسبوع الصلاة من أجلِ وحدة المسيحيين، وهي مبادرة عمرها أكثر من قرن وتشترك فيها الغالبية العظمى من الكنائس والجماعات الكنسيَّة، والتي أخذت بُعدَ حدثٍ سنوي يتطلَّب سعينا وإهتمامنا، واهتمامنا يتطلَّب جوابنا وردَّنا. لذلك، من يوم 18 إلى 25 كانون الثاني في كلِّ جماعة كنسيَّة، تُرفع الصلوات والطلبات إلى الله القدير حتى تتحقَّق إرادة الربِّ يسوع: "ليكونوا جميعًا واحدًا!".

 

 

اسبوع الصلاة جواب لقرار المجمع الفاتيكاني الثاني

 

إنَّ أسبوع الصلاة، الذي يهدف إلى تعميم الصلاة من أجلِ الوحدة، يستجيب للهدف الذي حدَّده القرار المجمعي في الحركة المسكونية “Unitatis Redintegratio” “UR” “استعادة الوحدة الكاملة” الصادر عن المجمع الفاتيكاني الثاني عندما ينصّ على: “إنَّ توبةَ القلبِ وقداسة السيرة إذا ما إشتركنا في التَّضرعات الفرديَّة والجماعيَّة من أجلِ وحدة المسيحيين، يجب أنْ تعتبرا بمثابة الروح للحركة المسكونيَّة بكاملها، وأنْ تُدعيا بحقٍّ الحركة المسكونيَّة الروحيَّة” (الوحدة الكاملة، 8).

 

تحثُّنا محبَّة المسيح أيضاً على الصلاة، ولكن أيضًا على الذهاب إلى ما هو أبعد من الصلاة من أجل وحدة المسيحيين. فالمجتمعات والكنائس تحتاج إلى عطيَّة المصالحة من اللهِ كمصدرٍ للحياة. ولكن، قبل كلِّ شيء، تحتاج إليها لتكون قادرة على ذلك. ليُقدِّموا شهادتهم المشتركة للعالم: “لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي” (يوحنا17/21). إنَّ عالمنا، مجتمعاتنا، وكنائسنا تحتاج إلى سفراء مصالحة ومُوادَعَة، يهدمون الحواجز، ويبنون الجسور. كما تحتاج أيضاً إلى صانعي السلام وترسيخه في القلوب كما في الضمائر، وأنْ يفتحون البابَ لطرقٍ جديدة للحياة، باسم الذي صالحنا في الله، يسوع المسيح.

 

في العالم المسيحي، تمَّ الآن بكلِّ سرور تعزيز الإجماع الضمني على اعتبار أسبوع الصلاة هذا وقتًا قويًا للصلاة المسكونيَّة. إنَّه أسبوع بامتياز للصلاة من أجلِ تلك الوحدة التي دعا إليها يسوع في ليلةِ العشاء الأخير قبل وقت قصير من آلامه.

 

إنَّ الإيمان يُعزّينا إذْ يجعلنا ندرك أنَّ الوحدة تنتمي إلى الإقرار والإعلان: “أؤمن بالكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية”. تأكيداً لحقيقة الإيمان هذه، يُذكِّرنا المجمع الفاتيكاني الثاني أنَّ “الذين يؤمنون بالمسيح ونالوا المعمودية بشكلٍ صحيح، يكوِّنون شركة مُعيَّنة، رغم أنَّها غير كاملة، مع الكنيسة الكاثوليكية” (الوحدة الكاملة، 3).

 

 

لا يزال طريق الوحدة طويلاً

 

نعم لقد تمَّ اتِّخاذ خطوات مُهمَّة على طريق الوحدة المسيحيَّة المنظورة والمرئية، ولكن يجب علينا أنْ ندركَ أنَّه لا يزال يتعيَّن علينا تحقيق الكثير والكثير من التَّقدُّم. بهذا الصدد يقول البابا بندكتوس السادس عشر: “علينا أنْ نكونَ ممتنّين لأنَّ الحركة المسكونية “بدافع نعمة الروح القدس” (الوحدة الكاملة، 1)، استطاعت في العقود الأخيرة أنْ تقومَ بخطواتٍ مُهمَّة جعلتْ من الممكن الوصول إلى تقاربٍ مُشجِّع حول مختلف النقاط، كما نَــمَّتْ بين الكنائس والجماعات الكنسيّة علاقات احترام وتقديرٍ متبادل وتعاونٍ حقيقي أمام تحدِّيات العالم المعاصر. ونعلمُ جيدًا، مع كلّ ذلك، بأنَّنا لا زلنا بعيدين عن تلك الوحدة التي صلّى لأجلها المسيح والتي عاشتها الجماعة المسيحيَّة الأولى في أورشليم. الوحدة التي يدعو المسيحُ الكنيسةَ إليها، بواسطة الروح القدس، لا تَتَحقَّقُ فقط على مستوى البُنى التَّنظيمية، بل على مستوى أعمق بكثير، كالوحدة “في الاعتراف بإيمانٍ واحد، في الاحتفال الجماعي للعبادة الإلهيَّة وفي الانسجام الأخوي لعائلة الله” (الوحدة الكاملة، 2).

 

لذلك، فإنَّ استعادة الوحدة بين المسيحيين المنقسمين لا يمكن أنْ يُختصرَ في إقرارٍ بالاختلافات المتبادلة والوصول إلى تعايشٍ سلمي، فما نتوقُ إليه هو تلك الوحدة التي صلّى يسوعُ نفسه من أجلِها، والتي تظهرُ بطبيعتها في شِركة الإيمان والأسرار والتعليم. السيرُ نحو هذه الوحدة لابدّ أنْ يُنظر إليه كحتميةٍ أخلاقيَّة وجواب لدعوةٍ مُحدَّدة من الربِّ. ولذلك لابدّ من التغلُّب على تجارب الاستسلام والتشاؤم، والتي تشيرُ إلى نقصِ الثقة في قدرة الروح القدس. ويكمنُ واجبنا في مواصلة المسيرة نحو هذا الهدف باهتمامٍ كبير وبحوارٍ جاد وعازم من خلال تعميق الإرث اللاهوتي والليتورجي والروحي، وتبادل المعرفة، والتنشئة المسكونية للأجيال الجديدة، وخاصةً من خلال إهتداء القلب والصلاة (من خطاب البابا بندكتوس السادس عشر بمناسبة ختام أسبوع الصلاة لأجل وحدة المسيحيين يوم 25 كانون الثاني من عام 2011).

 

خلال أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، نحن جميعًا إذن مدعوّون للصلاة من أجلِ تعزيزِ الوحدةِ وبناءِ المصالحة والسلام، وهي مسؤوليّات مُهمَّة يجب على جميع المسيحيين في جميع أنحاء العالم الالتزام بها. والرجاء الذي تقوم عليه هذه الصلاة هو أنْ يصبحَ جميع سكان الأرض شعبَ الله؛ وليكن الله إلههم. وأنْ تحظى البشرية بنعمة معرفة الفرح والازدهار والسلام من خلال التغلُّب على الانقسامات والصراعات. يجب علينا نحن المسيحيين أنْ نصلّي بصبرٍ حتى يتمّ الوصول إلى “سماواتٍ جديدة وأرضٍ جديدة”؛ عندها فقط “نكونَ له شعباً وهو يكون لنا إلهاً” (حزقيال37/23).

 

 

صلاة من أجل وحدة المسيحيين

 

“أيّها الربّ يسوع، يا مَن في ليلةِ إقبالك على الموتِ من أَجْلِنا، صَلّيتَ لكي يكونَ تلاميذك بأجمعِهم واحداً، كما أنَّ الآبَ فيكَ وأنتَ فيه. إجْعَلْنا أنْ نشعرَ بعدمِ أمانتِنا ونتألّمَ لانقسامِنا. أَعطِنا صدقاً فنعرفَ حقيقتَنا، وشجاعةً فنطرحَ عنّا ما يَكمُنُ فينا من لا مُبالاة ورَيبَة، ومن عداءٍ متبادَل. وإمنحنا يا ربُّ أنْ نجتمعَ كلُّنا فيك، فتصعدُ قلوبُنا وأفواهُنا بلا انقطاعٍ صلاتَكَ من أجلِ وحدة المسيحيّين، كما تُريدُها أنتَ وبالسُبُلِ التي تُريد. ولنجدَ فيكَ، يا أيُّها المحبّةُ الكاملة، الطريقَ الذي يقودُ إلى الوحدةِ، في الطاعةِ لمحبّتك وحقِّكَ، آميــن.

 

(البطريركية الكلدانية)