موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٩ يونيو / حزيران ٢٠٢٢

أحد العنصرة العظيم المقدس 2022

بقلم :
الأب بطرس جنحو - الأردن
عندما انحدرَ العليُّ مبلبلاً الألسُنَ. كان للأمَمِ مُقَسِّماً. وحينَ وزَّعَ الألسُنَ النَّاريَّة. دعا الكلَّ إلى اتِّحادٍ واحد. لذلكَ نمجِّدُ بصوتٍ متَّفق. الرُّوحَ الكليَّ قدسُه.

عندما انحدرَ العليُّ مبلبلاً الألسُنَ. كان للأمَمِ مُقَسِّماً. وحينَ وزَّعَ الألسُنَ النَّاريَّة. دعا الكلَّ إلى اتِّحادٍ واحد. لذلكَ نمجِّدُ بصوتٍ متَّفق. الرُّوحَ الكليَّ قدسُه.

 

الرسالة

 

إلى كل الأرض خرج صوتهم

السماوات تذيع مجد الله

 

فصل من أعمال الرسل القديسين (أعمال الرُّسل 1:2-11)

 

لَمَّا حَلَّ يومُ الخَمسينَ، كانَ الرُّسُلُ كُلُّهُم مَعاً في مكانٍ واحد فَحَدَثَ بَغْتَةً صَوتٌ منَ السَّماءِ كَصَوتِ ريحٍ شديدةٍ تَعْسِفُ، وَمَلأَ كُلَّ البيتِ الذي كانُوا جالسينَ فيه وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلسِنَةٌ مُتَقَسِّمَةٌ كَأنَّها مِنْ نَارٍ، فاستَقَرَّتْ على كُلِّ واحدٍ مِنهُم فامتَلأوا كُلُّهُمْ مِنَ الرُّوح القُدُسِ، وَطَفِقوا يتكلَّمونَ بلغاتٍ أُخرى، كَمَا أعطاهُمُ الرُّوحُ أنْ ينطِقوا وكانَ في أورشليمَ رِجالٌ يَهودٌ أتقياءٌ مِن كُلِّ أُمَّةٍ تَحتَ السَّماءِ فَلَمَّا صارَ هذا الصَّوتُ اجتمعَ الجُمْهورُ فَتَحَيَّروا لأنَّ كُلَّ واحدٍ كانَ يَسمَعُهُم يَنطِقون بِلُغتِه فَدَهِشُوا جَميعُهُم وتَعَجَّبوا قائلينَ بَعضُهُم لِبَعضٍ: أليسَ هؤلاءِ المُتَكَلِّمونَ كلُّهُم جليليِّين؟ فكيفَ نسمَعُ كُلٌّ منَّا لُغَتَهُ التي وُلِدَ فيها نحنُ الفرتيِّين والماديِّين والعيلاميِّينَ، وسكَّانَ ما بَينَ النَّهرينِ واليَهوديَّةِ وكبادوكيَّةَ وبنطُسَ وآسية وفريجيَّة وبمفيليةَ ومِصرَ ونواحي ليبية عِندَ القَيْروان، والرُّومانيِّين المُستوطِنين واليَهودَ والدُّخلاءَ والكريتيِّينَ والعربَ نَسمَعُهُم يَنطِقونَ بأَلسِنَتِنا بعظائِمِ الله.

 

 

الإنجيل

 

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا (يوحنَّا 7: 37-52 و8: 12)


في اليَومِ الآخِرِ العَظيمِ مِنَ العيدِ، كانَ يَسوعُ واقفاً فصاحَ قائِلاً: إنْ عَطِشَ أَحَدٌ فليأتِ إِلَيَّ ويَشرَب مَنْ آمنَ بِي فَكَمَا قالَ الكِتَابُ ستَجرِي من بَطنِهِ أنهارُ ماءٍ حيٍّ (إنَّمَا قالَ هذا عَنِ الرُّوحِ الذي كانَ المؤمنونَ بِهِ مُزمِعينَ أنْ يَقبَلُوهُ إذْ لَمْ يكُنِ الرُّوحَ القُدُسَ بَعدُ. لأنَّ يسوعَ لَمْ يَكُن بَعدُ قَدْ مُجِّدَ) فكَثيرونَ مِنَ الجَمعِ لَمَّا سَمِعُوا كلامَهُ قالوا: هذا بالحقيقةِ هُوَ النَّبيُّ. وقالَ آخرونَ: هذا هوَ المسيح وآخرونَ قالُوا: أَلعَلَّ المسيحَ من الجليلِ يأتي أَلَم يَقُلِ الكِتَابُ إنَّهُ من نَسْلِ داودَ من بيتَ لَحمَ القريةِ حيثُ كانَ داودُ يأتي المسيح؟ فَحَدَثَ شِقاقٌ بينَ الجمعِ مِنْ أجلِهِ. وكانَ قَومٌ مِنهُمْ يُريدونَ أن يُمسكوهُ، ولَكِنْ لَمْ يُلْقِ أحدٌ عليهِ يداً فَجاءَ الخُدَّامُ إلى رؤساءِ الكَهَنَةِ والفَرِّيسيّينَ، فقالَ هؤلاءِ لَهُم: لِمَ لَمْ تأتوا بهِ؟ فَأجَابَ الخُدَّامُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ قطُّ إنسانٌ هكذا مِثْلَ هذا الإنسان فأجابَهُمُ الفَرِّيسيّونَ: ألعلَّكُمْ أَنتُمْ أيضاً قد ضَلَلتُم هلْ أحدٌ مِنَ الرُّؤساءِ أو مِنَ الفرِّيسيينَ آمَنَ بِهِ؟ أَمَّا هؤلاءِ الجمعُ الذينَ لا يعرِفونَ النَّاموسَ فَهُمْ مَلعونون فقالَ لَهم نِيقودِيمُسُ الذي كانَ قد جاءَ إليهِ ليلاً وهُوَ واحدٌ مِنْهم: ألعلَّ ناموسَنا يَدِينُ إنساناً إنْ لَمْ يَسمَعْ مِنْهُ أولاً ويَعلَمْ ما فَعَل أجابُوا وقالوا لهُ: ألعلَّكَ أنتَ أيضاً منَ الجليل! ابحَثْ وانظُرْ، إنَّهُ لَمْ يَقُمْ نَبِيٌّ منَ الجَليل ثُمَّ كَلَّمَهُمْ أيضاً يسوعُ قائِلاً: أنا هُوَ نُورُ العالَم، من يتبَعْنِي فلا يَمشِي في الظَّلام، بل يَكونُ لَهُ نُورُ الحياة.

 

 

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

 

العنصرة في العهد القديم

 

تدل لفظة "عنصرة" في التقويم العبري على العيد الذي كان اليهود يحتفلون به بعد الفصح بخمسين يوما. الاسم التقليدي هو "عيد الأسابيع" (لاويين 23: 15)، وهو في الواقع عيد حصاد القمح ، حيث كانت تقدَّم باكورة الغلات الى الله. بعد خراب اورشليم اتخذ العيد طابعا تاريخيا فلم يعد احتفالا بحدثٍ زراعي يحصل مرة في كل سنة، وانما احتفال بحدثٍ فريد وأساسي هو تذكار إعطاء الشريعة على جبل سيناء – لأن الشريعة أعطيت في الشهر الثالث من خروج بني اسرائيل من مصر (خروج 19).

 

في العبرية القديمة والحديثة اللفظة "عَسَار"، منها "عَسَريت" التي جاءت منها لفظة "العنصرة"، تعني: اجتمع او جمع، وهي إشارة الى اجتماع الشعب في العيد. وتأتي بمعنى: منع او امتنع، لأن هذا اليوم مقدَّس ويُمنع العمل فيه. وقد تفيد: الختام والتنوع والتتميم، ولهذا التفسير معنيان: الاول زراعي ويشير الى ختم تقادم البواكير في عيد الاسابيع، والثاني تاريخي، خصوصا انه يتوج معنى الفصح الذي يبلغ تمامه بعطية التوراة.

 

الترجمة اليونانية للعهد القديم أطلقت على هذا العيد لفظة يفيد معناها اليوم "الخمسين"، باعتبار أن العيد يرتبط بتوقيته بالفصح (تثنية 16: 9). استعارت الكنيسة لفظة "العنصرة"، وأطلقتها على عيد حلول الروح القدس على الكنيسة الذي وقع في اليوم الخمسين من بعد قيامة الرب من بين الاموات.

 

كانت العنصرة عند العبرانيين احدى الاعياد الثلاثة الكبرى التي كان الشعب يحج فيها الى اورشليم:" ثلاث مرات في السنة يحضر جميع ذكورك امام الرب الهك في المكان الذي يختاره: في عيد الفطير وفي عيد الاسابيع وفي عيد الاكواخ" (تثنية الاشتراع 16: 16). وهذا العيد تطوَّر معناه عبر التاريخ، فكان في البدء عيدًا زراعيًا – الانتهاء من الحصاد. وكانت له تسميات عديدة: عيد الاسابيع، يوم البواكير، عيد الخمسين. وبعد العيد المعروف بعيد الخمسين" (2 مكابين 12: 32)، وهذه التسمية الاخيرة جاءت في الترجمة اليونانية للعهد القديم التي تعرف بالسبعينية. أما كلمة "عنصرة" التي استعملها المسيحيون العرب فمشتقّة من "عَصْرَتْ" العبرية، وتعني المحفل أو الاجتماع الذي كان يجري في عيد الأكواخ.

 

العنصرة في العهد الجديد – حلول الروح القدس

 

أما العنصرة في المسيحية فاخذت معناها منذ البدء ففي سفر اعمال الرسل: "ولما اتى اليوم الخمسون، كانوا مجتمعين كلهم في مكان واحد، فانطلق من السماء بغتة دويّ كريح عاصفة، فملأ جوانب البيت الذي كانوا فيه، وظهرت لهم ألسنة كأنها من نار قد انقسمت فوقف على كل منهم لسان، فامتلأوا جميعا من الروح القدس" (2: 1-4). فالعنصرة في المسيحية هي عيد حلول الروح القدس الذي "يُرسلُه الآب باسمي وهو يعلّمكم جميع الاشياء ويذكّركم جميع ما قلته لكم" (يوحنا 14: 26).

 

يروي لنا البشير لوقا في بدء كتاب اعمال الرسل خبر ارتفاع الرب القائم الى السموات، وذلك بعد أن أمضى مع تلاميذه اربعين يوما يُكلّمهم عن ملكوت الله. ويتابع فيشير الى أن جماعة التلاميذ انتظرت، حسب الوصية، طيلة الايام العشرة المتبقية معمودية الروح وهي تصلي. وفي اليوم الخمسين يحدث في العلية ما كان التلاميذ ينتظرونه. يعبّر الكاتب عن الحدث باستعماله تعابير غريبة وانما معروفة في العهد القديم: "دويّ كريح عاصفة" (2:2)، "ألسنة كانها من نار قد انقسمت…".

 

ليست العنصرة حدثا تاريخيا حدث مرة في الزمن وانتهى. بل هي تجدد دائم، لان عمل الروح القدس كان منذ بدء الخليقة وهو سيبقى الى انتهاء الدهر. وتجلى عمل الروح في الكنيسة التي بقيت صامدة بالرغم من كل الاضطهادات والهرطقات التي حلت بها، فالروح في وسطها ولهذا في لن تتزعزع ابداً.

 

الروح القدس هو يسكن فينا، يحوّلنا الى هياكل للرّوح القدس: "أَما تَعلَمونَ أَنَّكُم هَيكَلُ الله، وأَنَّ رُوحَ اللهِ حالٌّ فيكم؟" (1كو 3، 16).  لا يحقّ لنا أن نجعل جسدنا أداة للخطيئة وللشهوّة، بالمعموديّة صرنا هياكل للرّوح القدس، وروح الرّب لا يتساكن مع روح الشرّير.  علينا أن نختار بين روح الرّب وروح الخطيئة، أن نعي حجم المسؤوليّة الملقاة على كاهلنا بأن نصون دوماً اجسادنا لتكون هياكل تليق بالرّوح الّذي يعطينا إيّاه الرّب.

 

إن عيد العنصرة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعيد االفصح، فالعنصرة هي ثمرة الفصح، ولولا قيامة الرّب من بين الأموات لما وُجِد هذا العيد في حياة الكنيسة.  العنصرة هي قمّة حدث القيامة، فالربّ يسوع القائم من بين الأموات، المرتفع الى السماء والجالس عن يمين الله الآب، يؤكّد استمرارية عمله الخلاصيّ في حضن الكنيسة من خلال روحه القدّوس المرافق والمعزّي. فالقيامة والصعود والعنصرة هي احداث ثلاثة تتكامل لتصل الى إعطاء ثمرة الرّوح القدس في داخل الكنيسة.  فالكنيسة كلّها تقتبل نعمة الرّوح من خلال جماعة الرّسل الموجودون في عليّة صهيون.

 

 

الطروباريات

 

طروبارية العنصرة باللحن الثامن

مُباركٌ أنتَ أيُّها المسيحُ إلهُنا. يا مَن أظهَرْتَ الصيَّادينَ غزيريِّ الحكمة. إِذْ سَكَبْتَ عليهمِ الرُّوحَ القدُس. وبهمِ اصطدتَ المسكونة. يا محبَّ البشرِ المجدُ لك.

 

قنداق العنصرة باللحن الثامن

عندما انحدرَ العليُّ مبلبلاً الألسُنَ. كان للأمَمِ مُقَسِّماً. وحينَ وزَّعَ الألسُنَ النَّاريَّة. دعا الكلَّ إلى اتِّحادٍ واحد. لذلكَ نمجِّدُ بصوتٍ متَّفق. الرُّوحَ الكليَّ قدسُه.