موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٧ فبراير / شباط ٢٠٢١

«الأخوّة الإنسانية» والمقدمة الملحمية

د. رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية - الجامعة اللبنانية

د. رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية - الجامعة اللبنانية

د. رضوان السيد :

 

تبدأ وثيقة الأخوة الإنسانية، الصادرة عن البابا فرانسيس وشيخ الأزهر يوم 4 فبراير 2019 في أبوظبي، بالتأكيد على المسألتين الأساسيتين:

 

- أنّ الأخوة الإنسانية حاصلةٌ بين بني البشر لأنّ الله خلقهم جميعاً وخلق الكون والخلائق وساوى بينهم برحمته وعنايته.

 

- وأنّ المؤمنين بالله ملتزمون بمقتضى الإيمان بالخالق بأن يعتبروا الآخرين، كلَّ الآخرين، إخوةً لهم محبةً ومؤازرةً. ويرتبط بذلك الدعوة للتعبير عن هذه الأخوة بالاعتناء بالخليقة وبالكون كلّه، وبالمبادرة لتقديم العون لكل إنسان.

 

ثم يتلو ذلك الإعلان الملحمي عن مقتضيات وحدة الخلق والخالق، وأولها: باسم الله خالق البشر المتساوين في الحقوق والواجبات والكرامة، والدعوة للعيش إخوةً فيما بينهم ليعمروا الأرض، وينشروا فيها قيم الخير والمحبة والسلام.

 

ثم تأتي المقتضيات التفصيلية:

 

- مناداة النفس البشرية التي حرَّم الله هدْرها أو إزهاقها، وبالسلب والإيجاب: حرمة القتل، وضرورات الإحياء. فمن قتل نفساً واحدةً كمن قتل الناس جميعاً في مسؤوليات الإجرام، ومن بادر لإحياء النفس الواحدة فكأنما أحيا الناس جميعاً.

 

- والتوجه إلى الفقراء والبؤساء والمحرومين والمهمشين وإشعارهم بأنهم ليسوا متروكين، لأنهم مخلوقات المولى عز وجلّ، ولأن الجميع رُعاة، وكلٌّ مسؤولٌ عن رعيته.

 

- والتوجه إلى الأيتام والأرامل (الذين صاروا كذلك في عمليات القتل الذريع)، والمهجرين والنازحين من ديارهم، والمضطهدين والمظلومين والمعتقلين، وكل المعذَّبين في الأرض.. فهذه الفئات أيضاً تُعاني وتستحق الاهتمام والتضامن.

 

ويصل الإعلان/ الوثيقة إلى الذروة التي سميناها ملحمية عندما يتوجه إلى الشعوب التي فقدت الأمن والسلام والتعايش، وحلَّ بها الدمار والخراب والتناحر.

 

ولذلك يتكرر النداء باسم الحرية، وباسم العدل والرحمة، وباسم كل الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة. وذلك كلُّه بعثاً للإحساس بالمسؤولية لدى الجهات الدينية، ولدى أصحاب القرار في المجال الدولي من السياسيين والاقتصاديين. فالمشكلة الإنسانية الكبرى التي صارت في كل مظاهرها أزمة أخلاقية عاتية ذات أربعة أضلاع: عمليات التقنية المسرفة والتي لا تُراعي الأبعاد الإنسانية، التنافس والتغالب في الاقتصادات والمجالات الاستراتيجية، تشجيع الحروب والصراعات في ديار البؤساء، وصيرورة ثلث البشرية (وربما أكثر) تحت وطأة الفقر والعَوز والتهجير والقتل وخراب العمران وخوف الإنسان.

 

هناك إذن مسؤوليات عن هذا الواقع العالمي. والجهات الدينية لا تستثني نفسَها بل تتقدم في تحديد المسؤوليات ومطالبة النفس بالاتجاه لإحقاقها. لكنها تدعو وتستدعي الشركاء والمسؤولين بشكلٍ مباشرٍ باعتبار تأثيرهم في القرارين الاستراتيجي والاقتصادي. وباعتبار مبادرتهم لتأجيج الصراعات، ومن لم يفعل منهم فإنه مقصِّر في رفع درجة المبادرة للإيقاف أو الإخماد، ولرعاية وحماية ضحايا تلك الصراعات الذين لا يملكون القدرة على الدفاع عن أنفسهم.

ما كانت الأديان بريداً للحروب، ولا سبيلاً إليها بأي شكل. لذلك فإنّ الرجلين الكبيرين، بما يمثلانه، يحملان على عواصف الكراهية المنسوبة زوراً إلى الدين والمتسمية باسمه، ويعتبران أنّ الأديان كانت وستبقى عاصماً إيمانياً وأخلاقياً من كل هذه الشرور التي تُنسبُ إليها الآن، من بعض الذين يمارسونها، والبعض الآخر الذي يتهم الأديان بها.

 

نتوقف في ذكرى إصدار الوثيقة كي نشير إلى التأثير المتنامي لإعلان أبوظبي بعد عامين على صدوره، سواء من الجهات العالمية (تحول تاريخ الإصدار إلى يوم دولي للأخوّة) أو من جهات ومرجعيات الأديان الكبرى، أو من جهات المجتمع المدني العالمي.

 

إنها مبادرةٌ كبرى للأخوّة والتضامُن والسلام. والخير كل الخير في أن نُسهم جميعاً، على اختلاف المواقع، في النضال الحر والقوي والملتزم من أجل التحقق المستمر لبنود «الأخوّة الإنسانية» ومقتضياتها.

 

(الاتحاد الإماراتية)