موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٩ ديسمبر / كانون الأول ٢٠٢٠

لهذا يذهب قداسة البابا فرنسيس إلى العراق

قراءة في الرسائل التي سيوجهها البابا فرنسيس خلال زيارته التاريخية لبلد الرافدين

قراءة في الرسائل التي سيوجهها البابا فرنسيس خلال زيارته التاريخية لبلد الرافدين

الأب د. رفعـت بدر :

 

العراق بلد مقدس؛ فيه عاش الأنبياء، وأكبرهم وأقدمهم إبراهيم، أبو المؤمنين، الذي انطلق من أرض أور الكلدانيّة إلى الأرض المقدسة حيث ابتدأ عصر النبوة في العهد القديم. العراق هو بلد النبي يونان الذي عاش في نينوى وكان يدعو إلى التوبة والرجوع الدائم إلى الله، وهو أيضًا البلد الذي نفي فيه الشعب في العهد القديم في رحلة قاسية اسمها "الجلاء" أو "السبي" إلى بابل.

 

يأتي البابا حاجًا، أولاً وأخيرًا، إلى بلد الرافدين. ففي هذه الفترة تم الإعلان عن زيارة وشيكة للبابا فرنسيس إلى العراق الشقيق، تلبية لدعوة رسميّة من الجهات المختصة بالشأن السياسي، بمعنى رئيس جمهوريّة العراق، كما تكون مقرونة بدعوة ثانيّة من قبل الكنيسة الكاثوليكية في العراق الشقيق.

 

وعندما نقول الكنيسة الكاثوليكية فإننا نقصد طبعًا جميع الكنائس الكاثوليكية المتواجدة في العراق، إنما بشكل أكبر الكنيسة الكلدانيّة التي يرأسها حاليًا أحد معاوني البابا، هو الكاردينال لويس روفائيل ساكو، دون أن ننسى الكنيسة السريانية الكاثوليكيّة التي قدّمت أيضًا شهداء الإيمان، وبالأخص إثر تفجير كنيسة سيدة النجاة قبل عشرة أعوام. كما أنّ هنالك حضور متواضع لكنائس كاثوليكيّة كاللاتين والروم الكاثوليك والأقباط والأرمن. وهنالك طبعًا الكنائس الشقيقة غير الكاثوليكية، وأهمها الكنيسة الأشورية التي كانت رئاستها في العراق إلى أن انتقلت قبل سنوات إلى الولايات المتحدة.
 

رغم مرور 10 سنوات على مجزرة كنيسة سيدة النجاة في 2010/10/31، إلا أن الفاجعة لم تنتهِ

يذهب البابا فرنسيس إلى العراق حيث لم يتمكن أسلافه من الذهاب، بسبب تعقيدات الأوضاع التي كانت حاصلة وضاغطة في الفترة الأخيرة، من الحروب والعنف الطائفي والهجمات الإرهابيّة ومن تعقيدات الشأن السياسي بشكل عام في ذلك البلد الشقيق.

 

كان الحلم يراود البابا يوحنا بولس الثاني لزيارة العراق في عام 1999، ولكن نعلم بأنّه كان هنالك حصار مفروض على العراق، فأجّل الرئيس الراحل صدام حسين الزيارة التي كانت مقرّرة في آذار ذلك العام. لذلك قام البابا القديس بـ"حج روحي" افتراضي إلى هذا البلد، بتاريخ 12 آذار عام 2000، لكي يبدأ رحلة الحج في عام اليوبيل الكبير من بلد النبي إبراهيم، وأكمل بعدها حجًا فعليًا إلى مصر، فالأردن وفلسطين، وبعدها بعامٍ ذهب على خطى القديس بولس الرسول إلى سورية.

 

اليوم، يذهب البابا فرنسيس، المركّز دائمًا على احترام الفقراء واحترام اللاجئين والمهاجرين وحقهم في حياة آمنة وكريمة، إلى العراق، حيث جرت في السنوات الماضية أعمال تهجير قسريّة تجاه المكونات المسيحية والأيزيدية، وبالأخص من منطقة سهل نينوى والموصل وشقيقاتها من البلدات والمدن، الى دول العالم، بسبب الأعمال الإرهابيّة التي مارستها داعش في ذلك الوقت.

البابا فرنسيس يقبّل بطرشيل الأب الشهيد رغيد كني، نيسان 2017

رسالة قرب وتشجيع

 

يأتي البابا فرنسيس أولاً لتشجيع الجماعة المسيحية الموجودة في العراق، والتي صمدت بالرغم من "الأعاصير" السياسيّة والاضطرابات الأمنيّة التي حصلت منذ تسعينات القرن الماضي، من حروب خارجيّة أو اقتتالات داخليّة. فهنالك حضور مسيحي ما زال مشرقًا وبهيًّا بالرغم من تناقص مهول في الأعداد.

 

بالتالي، يرغب الحبر الأعظم في زيارته أن يشجّع الموجودين الذين صمدوا في أرض الأجداد رغم الويلات المتتاليّة، لاسيما خلال زيارته المجدولة إلى مدينة أربيل التي يتواجد فيها حاليًا عدد لا بأس به من المهجّرين من مدينة الموصل وبلدات سهل نينوى. وكذلك سيزور قداسته مدينة الموصل وبلدة قراقوش لكي يشجّع أيضًا المهجرين خارج العراق، لربما، على العودة إلى أرض آبائهم وأجدادهم.

رئيس أبرشية الموصل للسريان الكاثوليك يوحنا موشي يترأس القداس في كنيسة مار توما، بعد تحرير مدينة الموصل من عصابات داعش، 28 شباط 2019

رسالة للأخوّة

 

يريد البابا فرنسيس ثانيًا تعزيز الحوار والعيش المشترك بين جميع المكونات الدينية، سواء على الصعيد المسكوني بين الكنائس الشقيقة، أو عبر العلاقات الإسلاميّة المسيحيّة. ونعلم بأن هنالك ليس فقط الحوار السنُّي المسيحي، وإنما أيضًا الحوار الشيعي المسيحي، ونستطيع القول أيضًا الكوردي-المسيحي. وعلى أرض العراق، هنالك حضور تاريخي للصابئة المندائية والأيزيديّة والبهائيّة، وغيرها من الأديان والتقاليد.

 

بالتالي، يريد البابا فرنسيس، وهو رجل الحوار والداعي له، أن يؤكد على شعور وواجب ومسؤوليّة عيش الأخوّة بين مختلف مكونات الشعب العراقي الواحد فيما بينهم، تحت مظلة المواطنة، لاسيمّا بعد أشهر قليلة من توقيعه لوثيقة هامّة اسمها "Fratelli Tutti" أو "جميعنا أخوة وأخوات".

البطريرك ساكو والرئيس العراقي برهم صالح

رسالة للتعاون

 

حتمًا سيوجّه البابا فرنسيس رسالة من أجل انتهاج طرق السلام والحوار والأخوّة والتعاون والتعاضد البنّاء بين مختلف مكونات الطبقة السياسيّة في العراق، في سبيل إعادة بناء دولة عراقية حديثة قويّة، بعد سنوات شاقّة ومريرة من الحروب والمشاحنات الطائفية وهجمات الجماعات الإرهابيّة، وكلّ ذلك من أجل إعادة روح الأمل لنفوس جميع العراقيين، لاسيمّا فئة الشباب، نحو مستقبل أفضل.

 

كلنا ترقّب لزيارة البابا فرنسيس التي ستكون الأولى لخليفة القديس بطرس، والتي نأمل أن تأتي في ظروف تكون قد تحسنّت فيها الأوضاع الوبائية في دول العالم. وقد أشار البيان الفاتيكاني الرسميّ إلى هذه النقطة، حيث سيأخذ برنامج الزيارة في عين الاعتبار تطوّر حالة الطوارئ الصحيّة العالمية، سواء في إيطاليا التي سيخرج البابا من مطارها، أو في العراق الذي سيستقبله سكانه بكل أطيافهم، وبفرحٍ غامر.

 

دعاؤنا إلى الله أن تكون الزيارة المرتقبة ناجحة، وأن تكون مثمرة، وأن تكون أيضًا علامة على الوحدة، وعلى حثّ الشعب العراقي على طي صفحة الماضي، وعلى المغفرة والصفح المتبادل، لكي يبدأ هذا البلد الشقيق عملية المداوة لجراح الماضي والنظر نحو المستقبل بعين الأمل والرجاء.

 

خاتمة

 

أخيرًا: نقطتان، الأولى أنّه في زيارة البابا إلى الإمارات في مطلع عام 2019، وقّع وثيقة هامة مع شيخ الأزهر عنوانها "الأخوّة الإنسانية". وبعدها بشهرين كان في المغرب للتوقيع مع ملك المغرب على  وثيقة حول القدس، فهل من وثيقة جديدة ستبصر النور في بلاد ما بين النهرين؟

 

والثانية، أنّه في آذار 2003، كانت طبول الحرب الامريكية تقرع على بوابة العراق، بموافقة دولية، إلا صوت البابا يوحنا بولس الثاني، حين كان يقول: "لا للحرب... لانها دمار على الجميع، وليس فيها رابح أو خاسر". وفي آذار 2021 يأتي البابا فرنسيس ليحاول ترميم ما تهدّم، من جراء عدم الاصغاء لصوت سلفه البابا القديس...

 

أهلاً بقداسة البابا من جديد في وطننا العربي...