موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٣ يوليو / تموز ٢٠٢٢

في افتتاح مؤتمر كاريتاس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

كلمة الأب رفعت بدر في افتتاح مؤتمر كاريتاس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في عمّان

كلمة الأب رفعت بدر في افتتاح مؤتمر كاريتاس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في عمّان

الأب رفعت بدر :

 

الأصدقاء الأعزاء القادمين إلى الأردن العزيز، والمقيمين فيه، أسعد الله مساءكم.

 

شرّفني مضيفكم الأخ وائل سليمان أن أقوم بالترحيب بكم، باسم الكنيسة المحليّة في الأردن، نيابةً عن البطريركيّة اللاتينيّة، والكنيسة الكاثوليكية وكلّ الذين تعملون معهم في هذا الوطن الحبيب. أهلاً بكم في أرض المعموديّة، في أرض يوحنا المعمدان، وفي أرض الأنبياء: موسى وإيليا (مار الياس) وكلّ الذين ساروا بهذه المنطقة، وبالأخص السيد المسيح وأمه البتول مريم. أهلاً بكم في بلد الهاشميين الذين يقودون دفة السفينة بحكمة وروح وئام عالية.

 

أنتم مثل موسى النبي الذي يقترب من الأرض المقدّسة، حين قال له الرب: "اخلع نعليك، فالأرض التي أنت عليها هي أرض مقدسة". أنتم أيها الأصدقاء في أرضنا المقدّسة. فأهلاً بكم، باسم كل حجارتها، وتربتها، وكنائسها، ومياهها المقدّسة.

 

أيها الأصدقاء، الأحد الماضي، أوّل أمس، كان الأحد الخامس عشر، واستمعنا في الإنجيل الى قصّة السامري الرحيم النازل من القدس إلى أريحا. إنّ القدس التي تمثّل القداسة والإنسانيّة الجميلة، لكّن هذا الرجل كان نازلا من القدس إلى أريحا، والذي تكلم عن هذا المثل هو السيد المسيح الذي صعد من أريحا إلى القدس، لكي يصلب ويتألم ويموت من أجل شفاء البشريّة.

 

تخيلوا شخصًا نازلاً من القدس، يطيحون فيه ضربًا، والشخص الآخر صاعدًا من أريحا إلى القدس لكي يتألم من أجل البشريّة. هذه هي كاريتاس التي تجتمعون باسمها في هذه الأيام في الأردن العزيز. هنالك من ينزلون ويهبطون من القدس إلى أريحا ويتألمون ويحملون صلبانًا ثقيلة، وتهان كرامتهم وتنزل اسعارهم، وهنالك من يصعد إلى أريحا إلى القدس لكي ينتشل الناس المظلومين والمضهطدين والمهجرين والجياع.

 

نتألم كثيرًا أيها الأصدقاء بأنّ البشريّة لم تخرج كليّة من داء الكورونا. وكنا نأمل أثناء أيام الحظر والكمامات والهايجين والتباعد الاجتماعي، كنا نظن ونأمل بأن البشرية ستخرج معافاة روحيًا ونفسيًا وجسديًا. ولكن ما أن كانت الكورونا تلوّح بيدها وتقول وداعًا للبشرية –وإن شاء الله يكون هذا الوداع نهائيًا- عادت البشريّة إلى التقاتل والحروب. لم يكن هنالك فترة طويلة من إعلان التعافي وإزاحة الكمامات، إلا أنّ البشريّة قد دخلت بكمامات جديدة، في أوكرانيا، لكي تقي نفسها وأطفالها وعائلاتها من رائحة الرصاص والغازات الكريهة والأسلحة المدمرّة.

 

أي إنسانيّة نعيش فيها، وقد أملنا أن تكون إنسانيّة نقيّة، وأن تخرج كمن ينقّى الذهب من النار التي عصفت بالبشريّة. وكنا نتأمل بأنّ آلامنا معًا ستصبح آمالنا معًا بالشفاء الكامل! ولكن هنالك كان مثل الطاقة المخزنة في قلب الإنسان لكي ينتظر اللحظة المناسبة لفكاك الإنسان من كورونا لكي يقيّد الإنسان أخاه الإنسان من جديد.

 

إلى أين نحن متجهون، وما هو دور كاريتاس في هذه الأوقات؟

 

لقد لعبتم دورًا أساسيًا ومحوريًا في الماضي، من خلال الاهتمام باللاجئين والمهجّرين، ونشكر قداسة البابا فرنسيس الذي أنصفنا كثيرًا، وبالأخص الأردن ولبنان، باستضافة كل إنسان هجّر من بيته بحثًا من المأوى والأمان - والإيمان أيضًا، كما حدث مع مسيحيي الموصل.

 

دعوني استذكر ما قاله قداسة البابا فرنسيس قبل أيام لإخوتنا الأعزاء في اسبانيا، وهم يحتفلون بـ75 عامًا على تأسيس كاريتاس اسبانيا. لقد قال قداسته بأنّ هنالك ثلاث ميزات لعمل كاريتاس لهذه الأيام:

 

1. كاريتاس هي رحلة الأخيرين. لذلك نحن مدعوون إلى تكثيف جهودنا في سبيل الاعتناء، وأن نكون خيّرين، تجاه الآخرين نعم ولكن وأيضًا بالأخيرين، الذين تطلب منا الكنيسة أن نعتي بهم لأنهم يومًا من الأيام سيصبحون أولين. ومن يدعون أنهم أولون سيعودون لأن يكونوا أخيرين.

 

2. كاريتاس هي رحلة الرحمة. لكم أن تتخليوا أنتم القادمين من بلدان عدّة، وبالأخص من بلدان الشرق الأوسط. كم نحن بحاجة إلى الرحمة في عالمنا. وكم نحن بحاجة إلى الرحمة في اوكرانيا. وكم نحن بحاجة إلى الرحمة في أفريقيا، وكم نحن بحاجة إلى الرحمة في فلسطين. ولنا أن نتخيّل بأن إخوتنا في فلسطين قد جاؤوا من مكتبهم أمام الباب الجديد، إلى جوار الشارع الذي مرّت به جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، التي أمضت 51 عامًا في خدمة الإنسان في فلسطين المتألمة لكن مكافأتها كانت رصاصة بين خوذة الرأس وسترة الصحافة. لنتخيّل كم أن الشرق الأوسط هو جائع وعطش تمامًا مثل النازل من أورشليم إلى أريحا، يريد من يصعد من أريحا إلى أورشليم لكي يعينه. فلتكن كاريتاس رمزًا للرحمة، كما هو السامري الرحيم.

 

3. كاريتاس هي درب التجدّد: نحن بحاجة إلى النظر بأساليب عمل جديدة، نظرًا لأن هنالك فقرا جديد يطرأ على الساحة، وهو الفقر النفسي. وهنا أشيد بكاريتاس الأردن الذي أتابعه منذ أكثر من 20 عامًا. إنّ كاريتاس الأردن لا تهتم فقط بتقديم الغذاء والدواء ومكان الإقامة للاجىء والمهجّر، ولكن تعتني أيضًا بنفسيته، وبتقديم الخدمة الروحيّة له، وإتاحة المجال لأن يكمل مسيرة إيمانه التي حرم منها في الموصل – على سبيل المثال.

 

نعم نحن بحاجة الى الابداع بخدمة إخوتنا، وقد اختتمنا قبل أيام حفلاً موسيقيًا، بدعوة من كاريتاس الأردن، وكنت مسرورًا بأن أشارك هذا الفرح، باستقبال مغنيّة ومرنمة لبنانيّة كارلا شمعون، لإحياء أمسيتين، وكان الهدف منهما، ليس تجاريًا، وإنما أن يُشترى دواء وأن يُرسل إلى لبنان. هذا هو التضامن الحقيقي الذي ترتؤون أن تكرسوه وأن تضاعفوه في هذا المؤتمر الطيب. وكأنكم تشهدون في هذا المؤتمر لسينودسية الكنيسة التي تسير معًا، لتسبيح الخالق ولخدمة القريب.

 

أتمنى لكم، باسمي وباسم المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام، الشريك الدائم لكاريتاس، وباسم كلّ الكنيسة المحليّة، استقبلكم بصدر رحب، في أرض المعموديّة، وأتمنى لمؤتمركم النجاح بوضع خطط جديدة للتضامن فيما بينكم، وإلى اللقاء دائما في الاردن او في بلدانكم الكريمة.