موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٣ مارس / آذار ٢٠٢٤

خطاب مميّز للملكة رانيا في قمة الويب

 الملكة رانيا في قمة الويب قطر

الملكة رانيا في قمة الويب قطر

الأب رفعت بدر :

 

بدأت أفواج المشاركين في قمة الويب العالميّة، ليلة الثلاثاء الماضي، تزحف نحو القاعة الرئيسية في مركز الدوحة للمعارض والمؤتمرات. وكنت استمع همساتهم تقول: ملكة الأردن، أو الملكة رانيا ستتحدّث الآن. إذًا كنا بانتظار خطاب مميّز في هذه القمة التي تحدث لأوّل مرة في بلد عربي. وحين نظرت من الصف الأوّل إلى القاعة الضخمة ووجدتها ممتلئة بالوف الروّاد، وجلّهم من الشباب، ويزيد عدد الواقفين على الجالسين، شعرت بفخر أردني كبير.

 

بالمناسبة هذا التجمّع Web Summit هو تقني ويدخل في باب التكنولوجيا والحداثة والمخترعات الرقمية، والاستثمار قطاع التكنولوجيا، وكل ما يستجد تقنيًا وفنيًا في عالم الاتصالات المذهل. وقد سجّل له أكثر من 15.453 شخصًا من 81 دولة. وتم عرض مئات المخترعات والحلول التقنية. لقد كانت القمة حديثًا عن المستقبل أكثر منه قراءة للحاضر.

 

لكن الملكة رانيا العبدالله في كلمتها قد كسرت القاعدة وقلبت الطاولة عبر مقاطعة خطابها بفترات تصفيق طويلة. مهلاً أيها العالم التقني، ما تقومون به من مخترعات هو جدير بالثناء والغبطة، لكن هناك «روايات» تصلكم منقوصة. وبالتالي جاءت لتدعو إلى أنسنة هذه الوسائل الحديثة، وإلى تأثيثها بالأثاث المناسب، وهو الـEthic أو الأخلاق. وهذا باعتقادي الخطاب الوحيد في القمة الذي سلط الضوء ليس على المخترعات التي أبهرت العالم من الدوحة، وإنّما على النظر إلى فحوى ومضمون ومحتوى العالم الرقميّ: وهو كرامة الإنسان، واحترام حياته، وعدالة النظر إلى حقوق الناس بالمساواة الكاملة.

 

فقالت الملكة: لماذا قتل ناس معينين له قيمة، وقتل ناس آخرين ليس له ذات القيمة، لدى عالم الديجيتال اليوم؟ بهذا انطلقت الملكة، ومن كان في الصفوف المتقدمة يرى كيف الشغف والإحساس الكبير اللذين تكلمت بهما أم الحسين العزيزة. فلقد أوقفت كل الاحاديث والبرامج حول التقنيات ورياداتها، لتدعو بصوت واضح وصريح إلى وقف فوري ليس لإطلاق النار فحسب، بل الى «وقف للدمار، وقف للنزوح.. ووقف للحرمان المتعمد». وصرخت بصوت جلي ومجلجل: «يجب على هذه الحرب ان تنتهي الآن». وكذلك دعت إلى إدخال المساعدات للشعب الفلسطيني المنكوب. وكم كان توقيت الخطاب مناسبًا ومتناسقًا مع تقديم المساعدات للشعب الذي بات الجوع يمزق أحشاء أبنائه. ومن شواطئ الدوحة صوت أم الحسين ينادي أمام عالم الديجيتال: أقفوا الحرب على غزة وانصفوا العالم بتغريداتكم. وعلى شواطئ غزة، وفي ذات اليوم، كان أبو الحسين جلالة الملك عبدالله الثاني يرشق غزة بالغذاء والدواء، مرسلا معها محبته ومحبة مرافقيه من سلاح الجو الملكي والجيش العربي، بل ومحبّة كل الشعب الاردني واصدقائهم من محبّي العدالة والسلام.

 

تكلمت جلالة الملكة بوضوح، وأعطت رسائل أخلاقية للمشاركين والمتابعين عن بعد الذين ركزوا في مداخلاتهم على عالم الأبعاد الثلاثة Three Dimensions في التواصل الإنساني في المستقبل. وأضافت إليها الملكة بعدًا رابعًا، وهو البعد الأخلاقي، فالتركيز ليس على قوة المخترعات والإبداعات والريادة والتنظيم والانتقال السريع والرقمي والسيبراني إلى مراحل متقدمة، إنّ الوقت قد حان للتركيز، ولو متأخرًا، على قيمة القوّة الأخلاقيّة لهذه الوسائل وجعلها تنظر إلى الأمور بعين المساواة بين شعب وآخر. وأظنّ هذا الدرس جدير بالأخذ به في المدارس والجامعات التي تدخل التربية الاعلامية لمدارسها وجامعاتها، ومن المهم تذكير العالم ليس بطريقة الاستخدام، وانما بحسن الاستخدام، وانسانيته، وتعطيره دائما بالاخلاق العالية الرفيعة.

 

هي ذي قراءتي المتواضعة لكلمة جلالة الملكة رانيا في مؤتمر الويب العالمي في الدوحة، والتي تشرفت بحضورها شخصيا، وقراءة الشغف الهاشمي في الالقاء الصادر من القلب. وبعد خروج جلالتها، حاورني العديد من الحضور على قوّة الكلمة وتاثيراتها العالمية، وأجبت على ذلك بفخر واعجاب بالغَين ومتجدّدين. شكرا صاحبة الجلالة!