موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٥

أنسنة الذكاء الاصطناعي في ميدان الطب والصحة

الذكاء، سواءً كان اصطناعيًا أو بشريًا، يجد معناه الأكمل في المحبة والحرية والعلاقة مع الله

الذكاء، سواءً كان اصطناعيًا أو بشريًا، يجد معناه الأكمل في المحبة والحرية والعلاقة مع الله

الأب رفعت بدر :

 

شدّني موضوع مؤتمر عُقد في روما بتنظيم من الأكاديمية الحبرية (البابوية) للحياة، تحت عنوان "الذكاء الاصطناعي والطب، تحدّي الكرامة الإنسانية". وقد وجّه البابا لاون الرابع عشر رسالة إلى المشاركين، توقّف فيها عند أهمية الدور الذي تؤدّيه التكنولوجيا الحديثة في مجال الطب، محذرًا في الوقت نفسه من خطر أن تحلّ هذه التقنيات، ولا سيّما الذكاء الاصطناعي، محلّ العلاقات الإنسانية.

 

تذكّرت هنا كلمة سموّ الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، وليّ العهد، في قمة "التواصل" في أيار هذا العام، وهو ما يوضّح أهداف مؤتمر روما أيضًا، حين قال سموّه في كلمته الافتتاحية، مستشرفًا المستقبل في ظل التطوّرات التقنيّة: "أرى مواطنًا يراجع مركزًا صحيًّا لا يتوافر فيه اختصاص معيّن، فيتمكن من التواصل مع طبيب مختصّ عن بُعد دون عناء السفر. أرى في المستقبل القريب طائرات من دون طيّار من صناعة شركات أردنية تنقل مواد طبية عاجلة أو تراقب شبكات المياه والكهرباء لحمايتها أو تُستخدم في الزراعة".

 

نحن إذًا، محليًا وعالميًا، أمام "تغيّر تاريخي" يشبه الثورة الصناعية التي انطلقت في نهاية القرن الثامن عشر، لكنها اليوم أوسع وأعمق لأنها تحمل في طياتها ثمار الثورة الرقميّة والذكاء الاصطناعي. غير أنّ هذا التقدّم لا يخلو من مساوئ وانعكاسات سلبية، بل وتدميرية أحيانًا. فقد شهدنا في السنوات الماضية كيف استُخدمت هذه الابتكارات الحديثة في الاغتيالات عن بُعد، والقتل، والتدمير، والتهجير، وغزة ليست بعيدة عن هذه الصورة المؤلمة.

 

ومع ذلك، يبقى هذا العصر وما يقدّمه من أدوات وتطبيقات فرصة عظيمة لخدمة الإنسان، خصوصًا في مجالات الطبّ والصحة والعناية بالإنسان عناية متكاملة. فكم يحتاج الإنسان المتألم إلى من يرسم له خطوط أمل جديدة، ويمنحه علاجًا وسندًا بفضل هذه التقنيات، مهما كانت المسافات بعيدة. وكما قال قداسة البابا: "كلّما زادت الحياة البشرية هشاشة، تطلّبت رعاية المرضى نُبلاً أعظم من قبل العاملين في الحقول الصحية".

 

فلنُبدع إذًا في مجال الذكاء الاصطناعي، ولنوجّه جهودنا نحو الابتكار الأخلاقي الذي يجعل من هذه الأدوات في خدمة الإنسان لا سيّدًا عليه، رفيقًا له لا عدوًا. ولنجعل من الذكاء الاصطناعي وسيلة لبناء مستشفيات عصرية تخفف آلام الناس وأوجاعهم، وتعيد للتقدّم معناه الأصلي: أن يكون في خدمة الكرامة الإنسانية. فالذكاء، وفق كلام للبابا لاون "سواءً كان اصطناعيًا أو بشريًا، يجد معناه الأكمل في المحبة والحرية والعلاقة مع الله تعالى".

 

وفي النهاية علينا أن ننظر بعين التقدير الى كل الجهود التي تبذلها المختبرات الطبية، للتخفيف من آلام الناس، وإلى كلّ تعاون مع مجالات التقنيات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، لتكون ابتكارات جديدة لخدمة الصحة الإنسانية، والطب بشكل عام، وهو منفتح على كل استخدام حديث لتنمية متكاملة للشخص البشري وكرامته المقدّسة، من قداسة الخالق نفسه.