موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر
يحلّ البابا فرنسيس ضيفًا على مملكة البحرين من الثالث وحتّى السادس من نوفمبر الذي يطرق الأبواب. وفي الواقع، ليست هذه المرّة الأولى التي يأتي فيها البابا إلى البلدان العربية، كما أنّها ليست المرّة الأولى التي يحل فيها بدولة خليجية.
فمنذ جلوسه على الكرسي البابوي في العام 2013، وبالتحديد في 13 مارس، عرف العالم بأنّ البابا الجديد القادم من الأرجنتين سوف يفتح الآفاق للتعاون الجدّي والمُثمر مع عدد من البلدان الجديدة التي لم يزرها ولم يحجّ إليها أسلافه البابوات القديسون.
كانت أول زيارة له إلى منطقة الشرق الأوسط إلى الأرض المقدّسة، عام 2014، مبتدئًا من الأردن - أرض المعمودية، كما زار فلسطين والقدس الشريف. وكان ذلك تخليدًا لمرور خمسين عامًا على زيارة البابا القديس بولس السادس. ثم جاء في العام 2015 إلى جمهورية مصر العربية، وابتدأ من هنالك التعاون المثمر بين حاضرة الفاتيكان والأزهر الشريف بلقاء كان قد سبقه لقاء أول في الفاتيكان بين البابا والشيخ. البابا فرنسيس والشيخ الطيب اللذين أصبحا يصفان بعضهما البعض بالصديقين القريبين.
ثم جاءت زيارة البابا فرنسيس إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، في فبراير 2019، حيث وقّع قداسته مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر ورئيس مجلس الحكماء المسلمين أحمد الطيب أيضًا على وثيقة مهمة أصبحت علامة بارزة على دور التعاون المسيحي والإسلامي ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، وإنما في العالم أجمع، وهي وثيقة «الأخوة الإنسانية» التي نتجت عن مؤتمر الأخوة الإنسانية الذي جمع أطيافًا عديدة من العلماء والمفكرين وكبار رجال الدين من المسلمين والمسيحيين من العالم أجمع.
ثم جاءت الزيارة إلى المملكة المغربية في مارس 2019، وكان هدفها هو تسليط الضوء على العمل الذي تقوم به الكنيسة في وضع الأقلية العددية، ولكن في وضع الخدمة الإنسانية الكبيرة التي تقدّم للمهاجرين، فضلاً عن توقيع «نداء القدس» حول وضعها وواجب الحفاظ على الوضع الراهن فيها كإرث إنساني مشترك ورمز للعيش المشترك بين لأتباع الديانات الإبراهيمية الثلاثة.
وفي عام 2021، فاجأ البابا فرنسيس العالم بزيارة تاريخية إلى جمهورية العراق، والتي كانت بهدف الحج إلى مسقط رأس النبي إبراهيم في مدينة أور، ولبثّ رسالة معنوية كبيرة للمسيحيين ولجميع مواطنيهم في بلد الرافدين، بعد الإرهاب الداعشي وسنوات مريرة من العنف ومثقلة من اللإستقرار السياسي والأمني. وهنالك جرى لقاء بينه وبين سماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني كعلامة على التقارب بين الكنيسة الكاثوليكية والطائفة الشيعية.
ثم جاء الإعلان عن زيارة وشيكة للبابا فرنسيس إلى البحرين؛ المملكة السعيدة والتي كانت من أولى دول الخليج العربي التي تبرز حرية إقامة الشعائر الدينية فيها، مع وجود أول كنيسة فيها، وهي كنيسة القلب الأقدس، والتي بُنيت وافتتحت عام 1939، وليس انتهاءً بالكنيسة - الكنز والتحفة التاريخية - والتي أعني بها كاتدرائية سيدة الجزيرة العربية، الموجودة في مدينة عوالي، وقد تبرّع جلالة الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة بالأرض المشيّدة عليها، وتم افتتاحها العام الماضي، بحضور ممثل شخصي عن البابا فرنسيس وهو الكاريدنال لويس تاجله.
ولا ننسى أيضًا العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين، أي بين مملكة البحرين وحاضرة الفاتيكان، أو «الكرسي الرسولي» كما يُسّمى في العرف الدولي. فقد نشأت هذه العلاقات الدبلوماسية في عام 2000، وتم من بعدها استقبال العديد من الوفود الرسمية في حاضرة الفاتيكان. ففي عهد البابا فرنسيس على وجه الخصوص حلّ جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفه، ضيفًا عزيزًا كريمًا عام 2014، وتلاه زيارة لولي العهد ورئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة عام 2020، وكذلك لمستشار جلالة الملك للشؤون الدبلوماسية معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، عام 2021، إذ سلّمه رسالة خطية من جلالة الملك يدعو فيها البابا فرنسيس إلى زيارة مملكة البحرين.
والبحرين كنسيًا تتبع للنيابة الرسولية لشمال شبه الجزيرة العربية، وفيها حاليًا المدبّر الرسولي المطران بول هيندر، الذي أنهى خدمته في أبوظبي العام الماضي لكن البابا فرنسيس قد عينه مدبّرًا بعد رحيل المطران التي تذكره كنيسة البحرين بكلّ الإجلال والتقدير، أعني المطران كاميلو باولين الذي كان حلمه أن يشاهد الكاتدرائية التي ابتدأ البناء فيها في عهده قبل رحيله عن هذه الدنيا في عام 2020.
يتطلّع العالم حاليًا إلى هذه الزيارة التاريخية إلى البحرين، لا سيما أنها ستبدأ في المؤتمر الدولي الذي تدعو إليه مملكة البحرين برعاية ملكية، وهو «منتدى البحرين للحوار: الشّرق والغرب من أجل العيش الإنساني معًا». ويتطلّع العالم أن يرى «بيان المنامة» الذي سيعلن من وسط هذا البلد العربي العزيز الذي يدعو إلى المحبّة والسلام والطمأنينة بين المؤمنين والشعوب في المنطقة الموصوفة دائما بمنطقة الصراع، ولكنها تأمل بايام رفاهية واستقرار وسلام دائم باذن الله.
وسيكون لقداسة البابا لقاء مع المسيحيين الموجودين في البحرين، وهم من ابناء الجاليات العربية والاجنبية، ويتمتعون بالحرية الدينية، وبالتالي فإنهم يعكسون الصورة الراقية والرائعة لمملكة البحرين التي تحتفظ على الدوام بحقّ الإنسان بنوال حرية العبادة وحرية إقامة الشعائر الدينية وحرية التنقّل والمجيء إلى الكنائس، كما والى دور العبادة الأخرى التي تحترمها المملكة.
ويتطلّع العالم إلى القدّاس الحاشد الذي سيترأسه البابا فرنسيس في ستاد البحرين الوطني، حيث يكون دائمًا لهذا القداس مناسبة للالتقاء بالحضور المسيحي في أي بلد. وهو شهادة على حسن الاستقبال الذي تتقنه مملكة البحرين لكلّ الأطياف بغض النظر عن انتمائها العرقي أو الديني، وهذا سيكون مسلّطًا الضوء عليه، وسوف سيحظى بتغطية إعلامية ضخمة، إذ سيأتي مع قداسة البابا ليس أقل من 70 صحفيًا على متن الطائرة بالإضافة إلى الكتّاب والصحفيين والإعلاميين الموجودين لتغطية المؤتمر الدولي، وكذلك زيارات البابا التي تغطيها وسائل الإعلام العامة والكنسية الخاصة في مختلف أنحاء العالم، وبالتالي سوف تسلّط الضوء على وضع الحرية الدينية في البحرين، ووضع حرية الشعائر الدينية، ووضع المسيحيين الذين يسهمون بتنمية هذا البلد الذي يحتضن كل مكونات الأسرة البشرية.
دعاؤنا إلى الله أن يحفظ مملكة البحرين، وأن يديم الاحترام الذي يكنّه الدستور وجلالة الملك وكلّ نظام الحكم لكل المعتقدات، وبالأخص لابناء وأتباع الديانة المسيحية، وهم يعملون بانتماء وعرفان للارض البحرينية التي تحتضنهم، ويكنّون لها الصدق والإخلاص. واننا لنرجو أن يتم وضع بيان ختامي مثمر سيكون لبنة جديدة في عالم التلاقي والتعاون الإسلامي-المسيحي في العالم، وسيكون له صدى إعلامي واسع، في كل أرجاء الارض.