موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢٧ ابريل / نيسان ٢٠٢٤
البابا ملتقيًا بالأجداد والمسنين والأحفاد: الحب يجعلنا أفضل وأكثر غنى وحكمة

فاتيكان نيوز :

 

في إطار مبادرة "لمسة حنان وابتسامة" التي تنظمها جمعيّة "Età Grande"، التقى قداسة البابا فرنسيس صباح السبت بالأجداد والمسنين والأحفاد. وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة قال فيها من الجميل أن أستقبلكم هنا، أجداد وأحفاد، شباب وأقلّ شبابًا. واليوم نرى، كما يقول المزمور، ما أجمل أن نكون معًا. يكفي أن تنظروا إلى بعضكم البعض لكي تفهموا ذلك، لأن هناك حب بينكم. وحول هذا الأمر بالذات أود أن نتأمّل للحظة: حول واقع أن الحب يجعلنا أفضل، ويجعلنا أكثر غنى وأكثر حكمة، في كل عمر.

 

تابع يقول أولاً: الحب يجعلنا أفضل. أنتم تظهرون ذلك أيضًا، أنكم تعملون على تحسين بعضكم البعض من خلال حبكم لبعضكم البعض. وأنا أقول لكم هذا كـ "جد"، يرغب في أن يشارككم الإيمان الدائم الشباب الذي يوحد جميع الأجيال. لقد نلتُ الإيمان أنا أيضًا من جدتي، التي تعلمت منها أولاً أن أعرف يسوع، الذي يحبنا، والذي لا يتركنا أبدًا وحدنا، والذي يحثُّنا لكي نقترب من بعضنا البعض وألا نستبعد أحدًا أبدًا. ومنها سمعت قصة تلك العائلة التي كان فيها قد تمّ إبعاد الجد، الذي لم يعد يأكل جيدًا على المائدة وكان يوسّخ نفسه، وأجبر على تناول الطعام بمفرده. لم يكن ذلك شيئًا جميلاً، لا بل، كان سيئًا جدًّا! فبدأ حفيده الصغير يعبث بالمطرقة والمسامير لبضعة أيام، وعندما سأله والده عما يفعله، أجاب: "أنا أبني لك طاولة، لكي أجعلك تتناول الطعام بمفردك عندما تصبح مسنًّا!". هذا ما علمتني إياه جدتي، ولم أنسه أبدًا. لا تنسوا ذلك أنتم أيضًا، لأنه فقط من خلال الإقامة معًا بمحبّة، وعدم استبعاد أي شخص، نصبح أفضل وأكثر إنسانية!

 

أضاف: ليس هذا فحسب، ولكن سنصبح أيضًا أكثر غنى. إنّ مجتمعنا مليء بالأشخاص المتخصصين في أشياء كثيرة، وغنيٌّ بالمعرفة والوسائل المفيدة للجميع. ولكن، إذا لم تكن هناك مشاركة، وكان كلُّ شخص يفكر في نفسه فقط، فسيضيع الغنى كلّه، لا بل سيتحول إلى إفتقار في الإنسانية. وهذا خطر كبير لزمننا: فقر التجزئة والأنانية. لنفكر، على سبيل المثال، في بعض التعابير التي نستخدمها: عندما نتحدث عن "عالم الشباب"، وعن "عالم المسنين"، وعن "عالم هذا وذاك"... ولكن العالم هو واحد فقط! وهو مكوَّن من العديد من الحقائق المختلفة لكي تساعد وتكمل بعضها البعض: إن الأجيال والشعوب وجميع الاختلافات، إذا تناغمت، يمكنها أن تكشف، مثل أوجه ماسة كبيرة، البهاء الرائع للإنسان والخليقة. وهذا ما يعلّمنا إياه أيضًا وجودكم معًا: ألا نسمح للاختلافات بأن تخلق شرخًا بيننا! وألا نسحق ماسة الحب، أجمل كنز وهبنا الله إياه.

 

تابع: نسمع في بعض الأحيان عبارات مثل "فكر في نفسك!"، "لا تحتج لأحد!". إنها عبارات كاذبة، تخدع الأشخاص، وتجعلهم يعتقدون أنه من الجميل ألا نعتمد على الآخرين، وأن نقوم بالأشياء بمفردنا، ونعيش مثل الجزر، في حين أن هذه المواقف لا تخلق إلا الكثير من الوحدة. على سبيل المثال، مثل عندما وبسبب ثقافة الإقصاء يُترك المسنون بمفردهم، ويضطرون إلى قضاء السنوات الأخيرة من حياتهم بعيدًا عن بيوتهم وأحبائهم. لنفكر في الأمر للحظة: أليس العالم الذي لا يخشى فيه أحد من أن ينهي أيامه بمفرده هو عالم أفضل بكثير؟ بالطبع نعم. لنبنِ إذًا هذا العالم معًا، ليس فقط من خلال تطوير برامج مساعدة، وإنما أيضًا من خلال تنمية مشاريع حياة مختلفة، لا تعتبر فيها السنوات التي تمر خسارة تقلل من شأن شخص ما، بل خيرًا ينمو ويغني الجميع: فيكونون هكذا موضع تقدير ولا سبب خوف.

 

أضاف: وهذا الأمر يقودنا إلى الجانب الأخير: الحب الذي يجعلنا أكثر حكمة. أيها الأحفاد الأعزاء، أجدادكم هم ذاكرة عالم بدون ذاكرة، و"عندما يفقد المجتمع ذاكرته، يكون قد انتهى". اصغوا إليهم، لاسيما عندما يعلمونكم بمحبتهم وشهادتهم أن تعززوا أهم العواطف، التي لا نحصل عليها بالقوة، ولا تظهر مع النجاح، ولكنها تملأ الحياة. ليس من قبيل الصدفة أنهما كانا مسنّين، ويطيب لي أن أفكر في أنهما كانا جدين، سمعان وحنة، اللذان تعرفا على يسوع عندما أخذه يوسف ومريم إلى الهيكل. لقد قبلاه، وحملاه بين ذراعيهما وفهما – وحدهما– ما كان يحدث: أي أن الله كان هناك، حاضرًا، وكان ينظر إليهما بعيني طفل. هل تفهمون ذلك؟ وحدهما تنبها، عندما رأيا الطفل يسوع، أن المسيح قد وصل، المخلص الذي كان الجميع ينتظره.

 

تابع: إنّ المسنين يملكون بعد نظر، لأنهم عاشوا لسنوات عديدة، ولديهم أشياء كثيرة ليعلموها: على سبيل المثال مدى سوء الحرب. منذ زمن طويل، تعلمت ذلك من جدي، الذي عاش الحرب العالمية الأولى والذي جعلني بقصصه أفهم أن الحرب هي شيء فظيع، لا يجب القيام به أبدًا. ابحثوا عن أجدادكم ولا تهمشوهم، من أجل مصلحتكم: "إنّ تهميش المسنين... يفسد فصول الحياة كلها، وليس الشيخوخة فقط". أما أنتم، فتعلّموا الحكمة من محبتهم القوية، وكذلك من هشاشتهم، التي هي "سلطة تعليمية" قادرة على أن تعلِّم بدون الحاجة إلى كلمات، ترياق حقيقي ضد قساوة القلب: سوف يساعدكم لكي لا تتوقفوا عند الحاضر وتستمتعوا بالحياة كعلاقة. ولكن ليس ذلك فحسب: عندما تكونون معًا، أجداد وأحفاد، مسنون وشباب، وعندما تلتقون وتتحدثون مع بعضكم البعض غالبًا، وعندما تعتنون ببعضكم البعض، سيكون حبكم نسمة هواء نقية تنعش العالم والمجتمع ويجعلنا جميعًا أقوى، بعيدًا عن الروابط العائليّة.

 

وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول: إنها الرسالة التي أعطانا إياها يسوع أيضًا على الصليب، عندما "رأَى أُمَّه وإِلى جانِبِها التِّلميذُ الحَبيبُ إِلَيه. فقالَ لأُمِّه: "أَيَّتها المَرأَة، هذا ابنُكِ". ثمَّ قالَ لِلتِّلميذ: "هذه أُمُّكَ". ومُنذُ تِلكَ السَّاعةِ استَقبَلَها التِّلميذُ في بَيتِه". بهذه الكلمات، أوكل إلينا معجزة لنحققها: أن نحب بعضنا البعض كعائلة واحدة كبيرة. أيها الأصدقاء الأعزاء، شكرًا على حضوركم هنا، وشكراً لكم على ما تقومون به مع جمعيّة "Età Grande"! معًا، متحدين، أنتم مثال وعطيّة للجميع. سأذكركم في الصلاة وأبارككم وأوصيك وأسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي.