موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ١١ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
نبيل جميل سليمان يكتب من كندا: تمّ كل شيء
نبيل جميل سليمان، فانكوفر - كندا

نبيل جميل سليمان، فانكوفر - كندا

نبيل جميل سليمان :

 

إنها الصرخة السادسة من صرخاته السبعة الأخيرة التي أطلقها الرب يسوع على الصليب. صليب الحب الأزلي / الأبدي الذي قاده إلى الألم والموت. فما الذي أتمَّه المسيح..!؟ وهل كان موته هو الكلمة الأخيرة..!؟

 

المسيح هنا أتمَّ حب الله للبشر، وأكمل تحقيق نبوءات العهد القديم، ورموزه، ومجئ الممسوح. كل ذلك حققه يسوع، وبه تمت المصالحة: "وهذا كله من الله الذي صالحنا بالمسيح .. صالح العالم مع نفسه في المسيح" (2 كورنثوس 5: 18–19). وردت هذه الكلمة "تمَّ كلُّ شئ" في إنجيل يوحنا فقط، بمعناها اليوناني "Tetelestai" والتي كانت تستخدم كتعبير أو كمصطلح محاسبي يعني "دُفع الثمن بالكامل". فعندما نطق يسوع بهذه الكلمة، إنما يعلن بأن الدَين المستحق لأبيه -دَين الخطيئة المستحق للبشرية- قد تمَّ محوه بالتمام والكمال وإلى الأبد. أي أن مهمة خلاص البشرية أنتهت أخيراً، أي تم تحقيق إرادة الله ليسوع في طاعته الكاملة للآب (يوحنا 5: 30 ، 6: 38). وإن ما يميّز التواتر الزمني لهذه الكلمة (اليونانية)، هي كونها متداخلة وفريدة حقاً، كصيرورة زمنية. أي إن فيها شيئاً يحدث في وقت معين ويستمر في المستقبل وله نتائج / تداعيات مستمرة. فعندما يقول يسوع: "تمَّ كلُّ شئ" إنما يقول بأنه "أنهى وسيستمر الإنتهاء": أنتهى في الماضي، لا يزال ينتهي في الحاضر، وسيبقى منتهياً في المستقبل. والأهم من ذلك، إن يسوع ينطق بها بقوة على الصليب لترن عبر التاريخ كعلامة على أن خطيئة الإنسان مهزومة إلى الأبد، وقوة الموت قد كسرت.

 

فبعد أن رأى يسوع بأن كل شئ قد تمّ، قال: "أنا عطشان" .. وعندما تلقى الشراب، قال: "تمَّ كلُّ شئ" .. ثم أنحنى رأسه و "أسلم الروح" (يوحنا 19 : 28 – 30). هنا يعطينا يوحنا صدى أو محتوى "الصرخة القوية" عند متى و مرقس (متى 27 : 50) ، (مرقس 15 : 37). إذن، هي صرخة النصر الأخيرة للمخلص وإعلان طاعته لله الآب (فيلبي 2 : 6 – 11). فعندما مات، لم يترك أي عمل غير مكتمل. عندما قال، "أنتهى" و "تمّ"، كان يقول الحقيقة. بها أكمل يسوع عمل الفداء والخلاص، وبها أصبحنا "أحياء مع المسيح" (أفسس 2 : 1 ، 5)، وبها نكمل الطبيعة المستمرة لخلاصنا. من خلال ما تفتحه لنا من حقبة جديدة للتأمل في هذه الصرخة السادسة على الصليب، وما علينا أن نختبره في حياتنا:

 

1- الهدف ودعوتنا في الحياة: ما لم يكن للمسيح من هدف، فإن مهمة "الأكمال" لم يكن لها أي معنى، ولم يكن لكلمة "تمّ" أي وقع على الصليب. قد لا تكون حياتنا مدفوعة الثمن مثل حياة يسوع أو غير واضحة الأهداف، ولكن هناك علامات نضج في حياتنا من خلال تمييز مواهبنا وقدراتنا الروحية لتعظيم ما أعطاه الله لنا من نِعَم.

 

2- نعيش حياة التركيز: من أجل تحقيق الهدف، تتطلب حياتنا التركيز على أولوياتنا، دون تشتت أو تبعثر. أي أن نسير نحو الهدف بدقة وإنضباط، أي أن نقول لبعض الخيارات "لا" كي نتمكن من قول "نعم" لفرص أعظم وأفضل.

 

3- القدرة في الطاعة: لكي نكون قادرين على تفعيل قول المسيح "تمَّ كلَّ شئ"، يجب أن تتميز حياتنا بالطاعة: "تواضع، وأطاع حتى الموت، الموت على الصليب" (فيلبي 2: 8). والطاعة هي عكس العمل الإنفرادي، أي الإستماع لما يقوله الله لنا والعيش في طاعته، وليس لأنفسنا.

 

4- الرغبة في عيش الألم لتحقيق قصد الله: وأخيراً، كي نقول "أنتهى"، يجب علينا أن نكون مستعدين لتحمل ما نواجهه من معاناة وألم لتحقيق قصد الله لحياتنا. وأيضاً لأستكمال خطته الخلاصية لكل واحد منا دون أي إستسلام مهما بلغت صعوباتها.

 

لا شك، نحن نعيش في "زمن التأزم"، كالذي نحن فيه الآن، الذي يجب أن يكون زمن تيّقظ وزمن تفاؤل. فبالرغم من أن الألم يُفهم في نظام وجودنا بأنه نقص في الكمال، أما في نظام الحب فهو بلوغ الكمال. بلوغ الفرح، فرح الله أبد الدهر، وفرح المسيحي في الرجاء. الرجاء في الدخول في الحب الذي هو الدخول في الفرح، ولكنه الدخول في الألم أيضاً: "وأرى أن آلامنا في هذه الدنيا لا توازي المجد الذي سيظهر فينا" (رومة 8 : 18).