موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٣ ابريل / نيسان ٢٠٢٤
رافي سايغ يكتب في الذكرى الـ109 للإبادة الأرمنيّة: 24 نيسان... الأرمن ليسوا ههنا!

رافي سايغ :

 

ها قد حلت ساعة الذكرى يا أبناء أمتي

فاتحدوا وتضامنوا وقوموا

ارفعوا رؤوسكم عاليا نحو السماء

لترتفع جباهكم نحو الشمس

لتقرع أجراس كنائسنا

لتصدح حناجر أطفالنا

لتعلوا أصوات ألحاننا

لنعلن بفخر... قام الأرمن... حقا قاموا.

 

إنها الذكرى التاسعة بعد المئة على الإبادة الأرمنيّة عام 1915 على يد العثمانيين الأتراك. إبادة منظمة بحق شعب أعزل مسالم راح ضحيتها ما يزيد عن مليون ونصف المليون أرمني. هي ذكرى أليمة انحفرت في ذاكرة الأرمن ومعهم كل الشعوب الحرة في العالم. فماذا بقي عند الأرمن ليقولوه في 24 نيسان بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة؟

 

هي القضية نفسها التي بقيت عند الأرمن بعد الإبادة التي قاسها شعبنا، فكيف ننسى ولغاية اليوم آلاف العائلات وهي تبحث وتحاول أن تضم أفرادها المشتتين في أصقاع العالم! فهل هنالك ما يجعلنا نتعب أو ننسى قضيتنا المقدسة؟

 

24 نيسان ليس يومًا نحييه ونستقبل فيه يومًا جديدًا وكأن شيئًا لم يكن، فهذه هي قضيتنا في كل يوم من أيام السنة، فالنضال الأرمني مستمر ومعه تستمر مسيرة الشهادة لدماء شهدائنا الأبرار، لنشهد لهم بالحق والعمل أننا لم ولن ننسى هذه التضحيات الكبيرة في سبيل الإيمان والانتماء. فكيف ننسى قوافل الأبرياء الذين سيقوا من مدننا التاريخية في ماردين وغيرها نحو صحاري دير الزور السورية وعظام شهدائنا لا زالت لغاية اليوم محفوظه في هذا التراب المقدس الذي تعمد بدمائنا الزكية؟ كيف ننسى دموع أطفالنا وآهات الأمهات وهم يتعرضون للاغتصاب والنهب والقتل على يد برابرة التاريخ، فمن يخمد نيران هذه الذكريات الأليمة؟

 

تسعة بعد المئة وكم يشبه اليوم الأمس ونحن نشهد على عدوان مستمر على الشعب الأرمني يومًا في آرتساخ المحتلة، ويومًا في أرمينيا، ومع هذه كله نحن نناضل ونحمل قضيتنا لنعلن للعالم أنه لا سلام في هذه الأرض دون عدالة، والعدالة وحدها ولا شيء سواها هي التي ستخفف من وجع النكران التركي المستمر للإبادة. فكيف للدول المتحضرة والمجتمع الدولي الذي يتغنى -ليل نهار- بالدفاع عن حقوق الإنسان ان لا يخجل والشعب الأرمني لم يحصل لغاية اليوم على اعتراف كامل وتعويض عن كل الخسائر التي لحقت به بعد الإبادة؟ هل من المعقول بعد إظهار الوثائق والمراسلات السرية وشهادات الناجين لا يوجد من يتحرك لمقاضاة تركيا ومحاسبتها على كل المستويات بما يقبل الضمير الإنساني الحر؟

 

إنّ سياسة نكران الإبادة ومعها الإصرار عن عدم التعويض للأرمن عما خسرناه هو أمر مرفوض وغير مقبول على الإطلاق فكيف تشرع القوانين الدولية وتقام الهيئات الإنسانية التي تختص بحقوق الإنسان والجرح الأرمني مفتوح ولم يندمل لليوم وتركيا دون حساب.


 

النصب التذكاري لشهداء الإبادة الأرمنية في كاتدرائية القديس يوسف للأرمن الكاثوليك، القامشلي - سورية

آن الأوان للحقيقة أن تنتصر ولو لمرة في هذا الحاضر المر، ومعها أن تنتصر إرادة الشعب الأرمني المناضل للحرية والسلام، فما ننشده من رغبة في تحقيق العدالة لا يخصنا وحدنا بل هو حق لكل الشعوب المتألمة والحرة التي تعاني من الحروب والظلم والألم فالعدالة والمحاسبة هي طريق للأمن والسلام وغير هذا سيبقى السلام في العالم مفقود.

 

قضيتنا التي نحملها اليوم بكل فخر واعتزاز هي في جزء منها رسالة وفاء وتحية لكل الأوطان والشعوب التي استقبلتنا وفتحت لنا أبوابها للننعم بالأمن ولنحيا من جديد بعدما خسرنا كل شيء إلا إيماننا ورغبتنا في الحياة، وهذا ما وجدناه بكل صدق ومحبة من شعوب عربية أصيلة في كل الدول التي التجاءنا إليها ونحن نقابلها اليوم بمشاعر والمحبة والامتنان.

 

في 24 نيسان يا أبناء أمتي لا تحزنوا أو تيأسوا فأنكم قد غلبتم الموت بالحياة والثقافة التي نشرتموها أينما كنتم ليصبح مرادف كلمة أرمني في كل العالم قيامة وحضارة، فإرادة القيامة كانت أكبر من كل الحقد والتخطيط المنظم لإفنائنا واليوم ما نقوله وسنبقى نقوله إننا نحن الأرمن أحفاد الذين فشل العثمانيون الأتراك بإبادتهم ولنا دائما ستنتصر الحياة بالحق والجمال والخير.

 

لا تبحثوا عن الأرمن في أحزان نيسان، بل ابحثوا عنهم في صفحات التاريخ المشرفة، لأن قبر الإبادة فارغ من الموت والألم، لقد قام الأرمن من تحت ركام الإبادة وانبعثوا من جديد ليكونوا نور القيامة في العالم وهم يحملون رسالتهم بكل اعتزاز وفخر بعد أحزان الإبادة، في 24 نيسان لا تبحثون عن الأرمن في ظلمات صفحات التاريخ لأنهم ليسوا ههنا بل قاموا.

 

هذا هو عهدنا لشهدائنا، لن ننسى وسنبقى نتذكر ونطالب.

 

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار...