موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢٠ مارس / آذار ٢٠٢٤
أين السياسة من التطويبات؟

اشخين ديمرجيان :

 

تتواجد بدع في بعض المناطق الفلسطينية تدّعي أنها مسيحية في حين أنّ أعضاءها يرفضون أسس العقيدة المسيحية ويرفضون الشهادة لقيامة السيّد المسيح التي تُميّز المسيحي عن اليهودي، إذ قال لرسله: "ستكونون لي شهودا" (أعمال 1: 6 وتابع). وهنالك نقاط أخرى جوهريّة، منها افتخار المسيحي بأداة الخلاص ونفور اليهود منها.

 

وقد انتشرت هذه البدع في الغرب ثمّ تسلّلت إلى الشرق منذ القرن التاسع عشر وهدفها تفتيت المسيحية ومحاربة السيّد المسيح المسيح انتقامًا منه إذ تبعه كثير من اليهود. ففي رأي اليهود لولا المسيحيّة لبقيت مليارات الناس في العالم تؤمن بالديانة اليهوديّة. وأحسن تخطيط لتفتيت الكنائس سياسة "فرّق تسُد". وما أكثر البدع اليوم في العالم تلعب "بفلوسها" بعقول البسطاء وضعاف النفوس "والفلوس تغيّر النفوس" وتأخذهم إلى حظيرتها.

 

وهذه خطة محبوكة مُمنهجة لتفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين. وها نحن نشاهد هروب ألوف مؤلّفة من المسيحيين وغير المسيحيين إلى الغرب خوفًا من الجوع والموت، مع أنّ الغربة أمرّ منهما تقلع الإنسان من جذوره وتخلع عنه كرامته. بالإضافة إلى تدمير كلّ ما له صلة بالمسيحيّة من مخطوطات وكتب وآثارات لا مجال هنا لذكر قيمتها الحضاريّة .

 

في الماضي كانت الشعوب في أوروبا بربريّة وبعد انتقالها من الوثنية إلى المسيحية تألّقت بحضارتها. ومنذ سبعينات القرن الماضي شرعت الخطة الصهيونيّة في القضاء على المسيحيّة تدريجياً وبشكل منهجي، حتى في الغرب... كيف؟ باستخدام مساحيق لغسل الدماغ ومن ثمّ لنشر مبادىء الإلحاد والكفر. وأيضًا رفض فكرة الارتباط والزواج والإنجاب، والحث على الإباحيّة والمساكنة والإجهاض وقبول زواج المثليين وغيرها من وسائل تؤدّي إلى انهيار المجتمعات والدول. وهكذا تحوّلت أوروبا القارة العجوز إلى بؤرة تُخالف وصايا الله. والغريب في الأمر أنّ الدول الأوروبية احتفظت في دساتيرها بمبادىء الإنجيل في حقوق الإنسان والحرية والإخاء والمساواة مع أنّها تُدرّس الإلحاد في مدارسها.

 

يُعدّ لقب القارة العجوز أو البلد العجوز مصطلح شائع يُطلق على قارة أوروبا، ويعود ذلك إلى عدّة أسباب أولاً لأنها من أقدم القارات أي تُشكّل جزءًا لا يتجزّأ من العالم القديم، وكذلك بسبب وجود الحضارات القديمة فيها : الرومانية والاغريقية والبيزنطية، والتي تركت بصماتها... وأخيراً وليس آخر الكلّ شأناً لأنّ أغلب سكانها من كبار السن، الذين أطال الله بعمرهم بسبب تطوّر المجال الطبي والرعاية الصحية.

 

عودة إلى الأراضي المقدّسة. تدّعي الحكومة الإسرائيلية بالعيش المشترك بين اليهود والعرب وهذا طبعاً "حبر على ورق" يُستخدم لأغراض سياسية توسّعيّة وتهويديّة وفي الواقع تقوم إسرائيل بتغيير معالم القدس العربية المسيحيّة الإسلاميّة وطمس كلّ ما بإمكانهم طمسه، مع تغيير مئات الأسماء القديمة في جميع المناطق والبلدات بأسماء عبريّة، أو تغيير أسماء مزارات بأسماء عبريّة، أضف إلى ذلك "القطار الخفيف" (ترامواي) الذي يتبختر في قلب زهرة المدائن "على أقلّ من مهله" كي يضفي على مدينة القدس طابعًا إسرائيليًا!  ناهيك عن إثارة الفِتَن أحياناً ما بين المسيحيين والمسلمين  والتي تنطفىء دوماً بفضل حكمة شيبنا وشبابنا، بينما لا تحرّك الشرطة ساكنًا لإخماد الفتن.

 

إنّ المخططات الإسرائيلية تستهدف المسجد الأقصى، وتستمرّ الانتهاكات المنافية لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 واتفاقية لاهاي عام 1954 التي تنصّ على “عدم التعرّض أو ارتكاب أي أعمال عدائيه ضد أماكن العبادة” ووضع حدّ لمخطط التهويد الإسرائيلي. كما تزايدت الاعتداءات المتكرّرة على المقدّسات المسيحية والرهبان في مدينة القدس وغيرها. مع العلم أنّ الكنيسة المسيحية الأولى في القدس تأسست سنة 34 ميلادية واختير القديس يعقوب البارّ أسقفًا لها من قبل المسيحيين الأوائل ومعظمهم من اليهود الذين تبعوا السيّد المسيح.

 

الإعلام المُبرمج هو الآخر يسلّط الأضواء على الأحداث في غزة وسوريا واليمن وغيرها. سؤال مهم يطرح نفسه: هل الوضع في العراق اليوم أفضل ممّا كان عليه في عهد صدّام؟ ومن المضحك المبكي أنّ الكوارث تحدث باسم الديمقراطية والسلام، وهكذا ينشغل العالم عن الجرائم بأمور أخرى ثانوية.

 

 

خاتمة

 

ألا ترَون أنّ كلّ ما يحدث في الكون إنّما هو "ربيع إسرائيلي" على أنقاض غير اليهود؟ و"تقهقر عربي" لتحويل الوطن العربي إلى دويلات تخدم مصلحة إسرائيل؟ أين أصحاب العقول المُبدعة تتكاتف وتتوحّد في مطالبها الدوليّة وترسم شعوبًا وحكومات خططًا مستقبليّة تنهض بالأوطان نهضة شاملة تقوم على حرية العبادة والإرادة.

 

ومن عظة السيّد المسيح على الجبل : "طوبى لفاعلي السلام فإنّهم عيال الله يُدعَون" (متّى 5: 9). إنّ تطبيق المبادىء السامية المذكورة في التطويبات في حياة المرء هو السبيل الوحيد للوصول إلى القداسة وإلى النعيم الأبدي في ملكوت السماوات.