موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ٢ ابريل / نيسان ٢٠٢٢
البابا فرنسيس يبدأ زيارته الرسوليّة إلى جزيرة مالطا بلقاء السلطات المدنيّة

أبونا :

 

وصل البابا فرنسيس، صباح اليوم السبت 2 نيسان 2022، إلى مالطا على متن طائرة الخطوط الجويّة البابويّة ITA، والتي أقلته وأعضاء مختلفين من الكوريا الرومانيّة، إلى جانب 74 صحفيًا، غادروا من مطار فيوميتشينو في العاصمة الإيطاليّة روما.

 

وتمثّل الرحلة الرسوليّة إلى مالطا الزيارة السادسة والثلاثين للحبر الأعظم خارج الأراضي الإيطاليّة، وهي رحلته الأولى في عام 2022. وستكون الزيارة، التي تستغرق يومين في الجزيرة في البحر الأبيض المتوسط، على خطى القديس بولس الرسول، وتركز على مواضيع البشارة والاستقبال.

 

وكانت هذه الزيارة قد أجلت مرتين بسبب جائحة فيروس كورونا.

 

ووصل قداسته إلى مطار مالطا الدولي عند الساعة العاشرة صباحًا حيث كان باستقباله رئيس الجمهورية وعقيلته، بالإضافة إلى سفير الفاتيكان في مالطا وسفير مالطا لدى الكرسي الرسولي. وبعد تقديم الوفدين المرافقين رافق رئيس الجمهورية وعقيلته البابا إلى الصالة الرئاسية، وانطلقوا بعدها إلى القصر الرئاسي الذي بني عام 1571 في وسط العاصمة في لافاليتا.
 

لقاء مع السلطات المدنيّة

 

وقاعة المجلس الأكبر، التقى البابا رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والسلطات والسلك الدبلوماسي.

 

وللمناسبة ألقى قداسته كلمة سلّط فيها الضوء على جزيرة مالطا، كـ"قلب المتوسط". لكن ليس فقط بسبب موقعها، وإنما لتشابك الأحداث التاريخية واللقاء بين الشعوب اللذين جعلا من هذه الجزر مركزاً للحيوية والثقافة والروحانية والجمال، وتقاطعَ طرقٍ عرف كيف يقدم الضيافة ويحقق التناغم مع شعوب قدمت من مناطق كثيرة.

 

وإذ أشار إلى التنوع الذي يميز شعوب مالطا، توقف قداسته عند تنوع الرياح التي تميز هذا البلد، الرياح التي تهب غالبًا على الجزر المالطية وهي رياح شمالية غربية، تذكر بأوروبا، وخصوصًا ببيت الاتحاد الأوروبي، الذي شُيد كي تقطنه عائلة كبيرة متحدة في الحفاظ على السلام. وبرياح الشمال التي تمتزج غالبا مع الرياح القادمة من الغرب. إذ تتقاسم مالطا ولاسيما الشباب فيها أنماط الحياة والفكر الغربيين. ومن هنا تنبع خيور كثيرة من بينها أشار بشكل خاص إلى قيمتي الحرية والديمقراطية مع الحفاظ على الذاكرة واحترام التناغم بين الأجيال، دون الانجرار وراء تجانس اصطناعي واستعمار أيديولوجي.

كذلك توقف البابا في كلمته عند الجنوب، من حيث يأتي العديد من الأخوة والأخوات باحثين عن الأمل. وشكر السلطات والسكان على الضيافة المقدمة لهؤلاء الأشخاص باسم الإنجيل والإنسانية، وحس الضيافة الخاص بالشعب المالطي. وفي هذا السياق تحدث البابا عن ظاهرة الهجرة التي ليست ظرفًا آنيًا، بل تحمل معها ديونَ ظلم الماضي، والكثير من الاستغلال، فضلا عن التغيرات المناخية والصراعات الخطيرة التي يدفع ثمنها كثيرون. وفي إشارة إلى مأساة البحر الأبيض المتوسط دعا البابا إلى مسؤولية أوروبية متقاسمة، لكي يعود المتوسط مجددًا مسرحًا للتضامن، وكي لا يكون موقعًا للغرق المأساوي للحضارة.

 

في سياق الحديث عن الغرق، أشار الحبر الأعظم إلى القديس بولس، الذي وخلال آخر رحلة له عبر المتوسط، وصل إلى هذه الشواطئ بطريقة غير متوقعة، ووجد النجدة. فبولس كان إنساناً يحتاج إلى الضيافة. ودعا البابا فرنسيس لكي نفتح قلوبنا على مصراعيها، ونكتشف من جديد جمال خدمة المحتاجين. ومساعدة بعضنا على عدم النظر إلى المهاجر كتهديد، وعلى عدم الاستسلام لتجربة رفع الجسور المتحركة وتشييد الجدران. لأنَّ الآخر ليس فيروساً ينبغي أن نحمي أنفسنا منه، بل هو شخص لا بد من استضافته، على الرغم من أن الضيافة تتطلب الجهد وتقديم تنازلات ولكنها من أجل خير أكبر، من أجل حياة الإنسان، الذي هو كنز الله.

ولم تخلُ كلمة البابا من الإشارة إلى الرياح القادمة من الشرق، من شرق أوروبا كما قال من الشرق حيث يُشرق النور، جاءت ظلمات الحرب. لقد اعتقدنا أن اجتياح بلدان أخرى، والقتال العنيف في الشوارع، والتهديدات النووية، باتت جزءًا من الذاكرة المظلمة للماضي البعيد. لكن الرياح القارسة للحرب، التي لا تحمل سوى الموت والدمار والحقد، عصفت بتسلط على حياة العديد من الأشخاص، وعلى أيامنا جميعًا. والآن وفي عتمة الحرب التي هبطت على البشرية، قال الحبر الأعظم يمكن لمالطا، التي تتألق بالأنوار في قلب المتوسط، أن تلهمنا، لأنه من الملح أن نعيد الجمال لوجه الإنسان الذي شوهته الحرب.

 

وفي ختام كلمته توجه البابا فرنسيس إلى الشرق الأوسط القريب، والذي ينعكس في لغة هذا البلد، التي تتناغم مع لغات أخرى، ما يذكر بقدرة المالطيين على صناعة تعايش مثمر في إطار الاختلافات. وقال هذا ما يحتاج إليه الشرق الأوسط: لبنان، سورية، اليمن ومناطق أخرى تعاني من المشاكل والعنف. لتستمر مالطا، قلب المتوسط، في الإبقاء على نبضات الرجاء والاعتناء بالحياة، واستقبال الآخر، والتوق إلى السلام، بمساعدة الله، الذي اسمه السلام.