موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠٢٠
الأب عزيز حلاوة ينال درجة الدكتوراه في علم الليتورجيا المقدسة
المركز الكاثوليكي وموقع أبونا يقدمان التهنئة الحارة للأب العزيز عزيز حلاوة... ألف مبروك وإلى الأمام
لحظة نيل الأب عزيز حلاوة درجة الدكتوراه (تصوير: مكتب إعلام البطريركية اللاتينية)

لحظة نيل الأب عزيز حلاوة درجة الدكتوراه (تصوير: مكتب إعلام البطريركية اللاتينية)

أبونا :

 

نال الأب عزيز حلاوة، من كهنة البطريركيّة اللاتينية ومدير المكتب الليتورجي في البطريركيّة، درجة الدكتوراه في علم الليتورجيا المقدسة، من كلية اللاهوت في جامعة الصليب المقدس الحبريّة في روما، بعد دفاعه عن أطروحة حملت عنوان: «أنافورا مار يعقوب: الكنيسة الأورشليميّة وليتورجيّتها في القرون الخمسة الأولى (بحث تاريخي لاهوتي ليتورجي)»، بإشراف الأب البروفيسور خوسيه لويس غوتيرّس مارتين.

 

وأقيمت المناقشة عبر الانترنت، وشارك فيها الأب عزيز من دار البطريركيّة اللاتينية، بحضور بطريرك القدس للاتين بييرباتيستا بيتسابالا، والنائب البطريركي للاتين في القدس وفلسطين المطران جياشنتو-بولس ماركوتسو، وحارس الأراضي المقدسة الأب فرانشيسكو باتون الفرنسيسكاني، وأستاذ الليتورجية في جامعة الكسليك في لبنان الأب خليل حايك، ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات، والأهل والمهتمين والأصدقاء.

 

والأنافورا هي الصلاة الإفخارستيّة أو طقوس القداس من ليتورجيا القرابين ولغاية المناولة.

 

وقال الأب الدكتور حلاوة في مقدمة دفاعه: "«تاريخ مضطرب» و«ليتورجيا متوافقة مع الزمان والمكان» هاتان الصفتان الرئيسيّتان اللتان تميّزان وتلخّصان حال الكنيسة الأورشليميّة وليتورجيّتها في القرون الخمسة الأولى. أمّا بالنسبة لليتورجيا الإفخارستيّة، فقد مارَست أورشليم من خلال أنافورتها الخاصّة، والتي تحمل اسم أوّل أساقفتها، مار يعقوب، تأثيرًا كبيرًا على باقي الأنافورات الشرقيّة والغربيّة أيضًا بين القرنين الرابع والخامس، ولهذا اخترتُ هذا العنوان المزدوج لنفس الموضوع".
 

سبب اختيار الموضوع

 

وحول أسباب اختياره لهذا الموضوع، قال الأب د. حلاوة: "لقد أجُرِيَت دراسات عديدة ومتنوّعة على الكنيسة الأورشليميّة مِن قِبَل العديد من الباحثين في مختلف المجالات ولأهداف عديدة، ومنها: التاريخ البيبليّ، الآثار، تاريخ الحجّ... ولكن هنالك القليل من الأبحاث عن التاريخ الليتورجي لكنيسة الأرض المقدّسة. كما أجُرِيَت دراسات عديدة على التاريخ الليتورجي للمدينة المقدّسة، مِن قِبَل باحثين معاصرين، إلّا أنّ هذه الدراسات ركّزَت اهتمامها على حقبة متأخّرة. لذلك من المهمّ أن نعمّق البحث في الفترة المبكّرة، أي القرون الخمسة الأولى".

 

وتساءل في هذا السياق: ما هي نوع العلاقة بين تاريخ الكنيسة والتاريخ الليتورجي؟

 

ليجيب الأب د. حلاوة في معرض الدفاع عن بحثه: "هناك نوعًا من العلاقة الهيكليّة ذات البُعد اللاهوتي، لأنّنا هنا نتحدّث عن «ليتورجيا الكنيسة نفسها». وما تاريخ الكنيسة وتاريخ الليتورجيا إلّا تاريخ واحد. ومن ناحية أخرى، وعندما نتكلّم عن الإفخارستيا، والتي هي ينبوع وقمّة الليتورجيا، عندها تتضح معالم العلاقة القائمة بينهما: «فالإفخارستيا تبني الكنيسة، والكنيسة تُقيم الإفخارستيا». وهذا ما نكتشفه في أنافورا مار يعقوب، إذ نُدرك عندها كم هي قويّة تلك العلاقة".

 

وشدد الأب حلاوة على ضرورة "إمعان التفكير في أصول الليتورجيا المسيحيّة، ولكن ليس بهدف توحيد الليتورجيّات، بل بالعكس، من أجل تسليط الضوء على النواحي المشتركة وعلى الغنى اللاهوتي والتاريخي والرمزيّ الكامن فيها. أمّا نتيجة هذا فمن المنطقيّ أن نتساءل ونقول: لما لا نعود في ليتورجيّتنا اليوم، خاصّة في طقوس الأسبوع المقدّس، إلى الممارسات الليتورجيّة القديمة التي كانت من إرث كنيستنا الأورشليميّة الأولى، كما عمل الآباء الفرنسيسكان مؤخّرًا بالنسبة لطقوس الأسبوع المقدّس، متجنّبين المغالاة في البحث عن الماضي أو لمجرّد الحنين إلى الآثار المتحجّرة؟ هنا لا بدّ أن نستمع إلى ما يُوصينا به البابا بندكتُس السادس عشر في كيفيّة التعامل مع التقاليد القديمة، والنظر إليها ليس كأنّها «هروب رومانسي نحو القديم» بل كإمكانيّة تُعرَض علينا لكي نستطيع أن «نستكشف ما هو أصيل وضروريّ»".

 

دافع آخر أورده الأب الدكتور عزيز حلاوة للخوض في هذا البحث، ألا وهو "أنّ الليتورجيا الأورشليميّة لا تزال مجهولة لدى الكثيرين، بالرغم من وفرة المصادر في مختلف اللغات القديمة التي نُقلَت إليها منذ غابر العصور، ومنها وبشكل خاصّ اللغة الأرمنية والجيورجيّة وأيضًا السريانيّة والقبطيّة، ولاحقًا العربيّة أيضًا. كما أنّ هنالك العديد من المخطوطات التي اكتُشفَت في السنة 1975 في دير القديسة كاترينا في سيناء وفي أماكن أخرى، ولكنها مع الأسف لا تزال تنتظر مَن يترجمها وينشرها. ولكن يجب أن نؤكّد من جديد على أنّ الوثائق التي تصف الليتورجيا الأورشليميّة هي وفيرة. ونجد أنّ هذه الميّزة قد حُرِمَ مِنها أهمّ مركزَين، روما والقسطنطينيّة، التي لا تمتلك مصادر ليتورجيّة كافية قبل القرن الثامن الميلادي. هكذا عندما نعرف أنّ القسم الأساسي من المصادر الليتورجيّة الأورشليميّة ما قبل العصر الإسلامي قد حافظَت عليها الكنيستان القوقازيّتان، الأرمنيّة والجيورجيّة، يدفعنا ذلك إلى تعميق دراستها ونشرها على الملأ جميعًا".

 

ويقول: "إنّ تفحُّص تاريخ الليتورجيا للكنيسة-الأم عن كثب من شأن أن يُفهمنا البُعد الخلاصيّ اللاهوتي لهذه الكنيسة، كذلك يمنحنا فهمًا أفضل لطريقة سير الاحتفالات الليتورجيّة في سياق أثريّ-طوبوغرافي، حقيقي مما يُساهم في تقوية دعائم الإيمان المسيحي، من غير أن يتعارض مع حقيقة ما جاء في الكتب المقدّسة، وما نقله التقليد الشريف والتعليم الكنسي. أمّا الّذين كانوا يئمّون الأرض المقدّسة في حجّ مقدّس، فلم يتكبّدوا عناء السفر من أجل رحلة عاديّة، بل قد انخرطوا في «رحلة حجّ» كان تأثيرها على حياتهم حاسمًا، لدرجة أنّ العديد مّمن قاموا برحلة حجّ مثيلة عاشوا خبرةً هائلة طبَعَت شخصيَّتهم وصقلتها، فكانت مثل هذه الرحلات كافية لقلب حياة الشخص رأسًا على عقِب. وتقدِّم الحاجّة إيجيريا من القرن الرابع وصفًا دقيقًا حيًّا للتأثير الّذي مارسَته الطقوس الليتورجيّة في المدينة المقدّسة على تطوُّر العبادة المسيحيّة وعلى ذلك الرابط السرّيّ بين الإيمان المسيحي وأرض التاريخ البيبليّ. من أجل ذلك يمكننا أن نجزم، مع الباحث بالدوفان، أنّ المدينة المقدّسة قد تميّزَت بموقعها كتقاطع طرق تلتقي عنده مختلف التقاليد الليتورجيّة، والسبب في ذلك هو الدور اللاهوتي الرئيسي الّذي نعِمَت به هذا المدينة، وكذلك وجود الأماكن المقدّسة فيها، والتي مارَست تأثيرها على نفوس مرتاديها".

 

وفي عودته إلى جوهر البحث، ألا وهو أنافورا مار يعقوب، يقول الأب حلاوة "خرجت لهذه الأنافورا العديد من الطبَعَات، والتي نقلَت إلينا نصّها الأصلي، سواء بالسريانيّة أو اليونانيّة. غير أنّ جميع هذه تقريبًا كانت خالية من التحليل اللاهوتي، الأمر الذي دفعَني لأن أقوم بهذه الدراسة، مع التحليل اللاهوتي-الكتابي المعمَّق، والذي يُعتَبر أساسيًّا في التاريخ الليتورجي للكنائس الشرقيّة وللغربيّة. ويُوضّح الباحث لويس بوييه أهمّية هذه الأنافورا ويصفها بهذه الكلمات: «المَعْلَم الأدبي الأكثر اكتمالًا في الأدب الليتورجي جميعه». هكذا، وبالقيام بهذه الدراسة، أرغبُ أن أحُدِّد العناصر الأصيلة التي تمتلكها هذه الأنافورا، وبنفس الوقت تتبع أثَرَها في مختلف التقاليد الليتورجيّة. أمّا التحليل اللاهوتي فيُرجى منه أن يُعيد إلى هذه الأنافورا مكانتها ويُعيد تقييمها على مستوى واسع في الليتورجيا المسيحيّة، خاصّة في أرض نشأتها ألا وهي فلسطين-سورية، بينما التحليل الليتورجي فيهدف إلى إعادة اكتشاف الممارسات الليتورجيّة التي تخصّ الاحتفال بالإفخارستيا في المدينة المقدّسة والتي انتقلَت مِن هذه المدينة إلى باقي التقاليد الليتورجيّة في العالم المسيحي".

منهجية الدراسة

 

هذا وانتظم بحث الأب الدكتور عزيز حلاوة كالتالي:

 

1. عرض الإطار التاريخي للجماعة اليهوديّة-المسيحيّة الأولى في المدينة المقدّسة في القرون الخمسة الأولى.

 

2. عرض لليتورجيا اليهوديّة في الهيكل والمجمع، والتي كان لها تأثيرها على الليتورجيا المسيحيّة قبل القرن الرابع. ثمّ عرض تحليليّ لمختلف عناصر وخصائص وفروض الليتورجيا الأورشليميّة بين القرنين الرابع والخامس، خاصّة الاحتفالات في الأعياد الرئيسة للسنة الليتورجيّة الأورشليميّة، وبالذات احتفالات الأسبوع المقدس.

 

3. تحليل لليتورجيا الإفخارستيّة الأورشليميّة. ويُعتَبر هذا الجزء عرضًا مفصّلًا لأنافورا مار يعقوب، ضمن سياقها ومحيطها الأورشليمي مع علاقتها بأنطاكيا وبيزنطا وروما. ويسبق التحليل عرض لليتورجيا الإفخارستيّة حسب المصادر الثلاثة التي يمكن أن نعرّفها على أنّها فلسطينيّة المنشأ، وهي: كتابات القديس يوستينُس النابلسي، تعاليم مار كيرلُّس الأورشليميّة ومذكّرات الحاجّة إيجيريا. وفي هذا القسم أيضًا، نجد فصلًا عن تاريخيّة أنافورا مار يعقوب، يتبعه فصلان متكاملان يُقدّمان تحليل مفصّل للأنافورا، من النواحي الأدبية للنص، ومن ثمّ اللاهوتيّة والليتورجيّة، وطبعًا دائمًا بالرجوع إلى آيات الكتاب المقدس، مكمّلةً بعناصر الثقافة الفلسطينيّة الآراميّة المحلّية بشكل خاصّ، والتقاليد الآراميّة لشعوب الشرق بشكل عام.

 

وتمّ تقديم نصّ الأنافورا الكامل بلغتيها السريانيّة (حسب أربع طبعات منقحّة) واليونانيّة. ثم تبَّعتها بترجمَتَين فرنسيّتَين وأخرى لاتينيّة. أمّا تحليل النصوص فقد جرى بشكل خاصّ على النصّ السرياني، كونه يبدو الأكثر قدمًا وقربًا من النصّ الأصليّ للأنافورا. ثم قام الباحث بمقارنة هذه الأنافورا مع أنافورات مختلفة من الشرق والغرب، وذلك لكي يُظهِر ما فيها وبينها مِن غنى وكنوز، مع تحديد علاقتها بين بعضها البعض، لا بل صلة قرابتها مع أنافورا مار يعقوب. أمّا تفسيرات آباء الكنيسة السريان ولكُتّاب من عصور مختلفة، وما يتبعها من تحليلات لاهوتيّة لباحثين معاصرين، فقد أغنَت الجزء التحليليّ. وفي هذا السياق، أشار الباحث إلى وجوب الاعتراف بأنّ هؤلاء الكُتّاب السريان، ومنهم مَن يتكلّم بلسان عربيّ، هم الأكثر قربًا للعقليّة الأدبيّة والثقافيّة الساميّة، وبالتالي الأكثر قدرةً على نقل المعنى الأصيل لمختلف المصطلحات والتعابير الموجودة في النصّ السرياني للأنافورا. وأخيرًا، نجد في القسم الثالث الكثير من الآيات الكتابيّة التي تشهد على عمق العلاقة بين العهد الجديد بالذات وليتورجيا الكنيسة، خاصة الليتورجيا الإفخارستيّة.

استنتاجات نهائيّة

 

وحول تأثير الليتورجيا الأورشليميّة على باقي التقاليد الليتورجيّة، يستشهد الأب حلاوة بما قاله الباحث كابريرا: «إنّ أورشليم لم تكن مجرّد المكان حيث جَرَت فيه أحداث تاريخ الخلاص، بل أيضًا المكان الّذي فيه بُثّت الحياة في الليتورجيا المسيحيّة».

 

ويتابع الباحث موّضحًا: "بعد عصر الرسل وتلاميذهم المبِّشرين، كان الحجاج، عند عودتهم من الأرض المقدّسة، أوّل مَن نقل إلى بلادهم ونَشَر الليتورجيا الأورشليميّة. هكذا تكون المدينة المقدّسة قد مارست دورها كأمّ تُغذّي بنيها بالحياة الليتورجيّة الروحيّة"، مشددًا على أنّ "الليتورجيا التي نقلَتها المدينة المقدّسة إلى العالم المسيحي بأسره كانت مؤثِّرة جدًا، لدرجة أنّها شكّلت لمسة أصليّة في تاريخ الليتورجيا بشكل عامّ، وتلك الإفخارستيّة بشكل خاصّ، سواء في كنائس الشرق أم الغرب جميعها".

 

ووضع الأب الدكتور عزيز حلاوة هذه التأثيرات في النقاط التاليّة:

 

1. بالنسبة للسنة الليتورجيّة، دخلت العديد من الأعياد، كما هي، في التقويم الليتورجي لروما والقسطنطينيّة، ومنها عيد تدشين كنيسة القيامة (المعروف باسم الإنكائنيا Encaenia)، ثمّ عيد الإبيفانيا، والتجلّي، ورفع الصليب المقدّس وتقدمة يسوع إلى الله في الهيكل، كذلك هنالك عيدان مريميّان رئيسيّان وهما عيد 15 آب وعيد 25 آذار. وفي هذه الأعياد نجد أيضًا الكثير من التعابير في الصلوات والنصوص البيبليّة المأخوذة مباشرة كما هي من الليتورجيا الأورشليميّة.

 

2. نظام الاحتفالات المراحِليّ (المحطات stations) وما يرافقها من تطوافات، وهذه إحدى خصائص الليتورجيا الأورشليميّة الأصيلة، وذلك بفضل طوبوغرافيّة المدينة المقدّسة، وكانت روما أكثر مَن تبنى هذا النظام في ليتورجيّتها.

 

3. أمّا التأثير الأكبر الّذي مارسته المدينة المقدّسة فكان على نظام وطريقة الصوم الأربعينيّ، واحتفالات الأسبوع المقدّس، خاصّة أحد الشعانين والجمعة العظيمة وسبت النور، وبالذات في الطقس الروماني.

 

4. أمّا طقوس العشيّات vigilie وثمانيّات octaves الأعياد الكبرى فهذه أيضًا من أصل أورشليميّ.

 

5. وفيما يتعلّق بالأنافورا، فإنّ التقليد الأورشليمي، وخاصّة مع مار كيرلُّس، قد ألهَم ممارسة «استدعاء الروح القدس» على القرابين فيما يُعرَف بمصطلح الـ«إبيكلزيس»، ولكن أيضًا «الحوار» في مقدّمة الصلاة الإفخارستيا، و«قدُّوس» وصلاة «الأبانا» و«يا حمل الله».

 

6. وإن لم نرغَب في الحديث عن التأثير المباشر لأنافورا مار يعقوب، يمكننا على الأقل أن نتحدّث عن تأثير ليتورجيا الجماعة اليهوديّة-المسيحيّة الأولى، خاصة عندما نكتشف أنّ جميع الأنافورات تحتوي على العناصر عينها، تلك المستمدَّة من الإرث الساميّ، الّذي تركته لنا الجماعة المسيحيّة الأورشليميّة الأولى.

 

7. وهنالك أيضًا شكل وتقاليد ليتورجيّة أخرى انتشرَت من المدينة المقدّسة إلى سائر أنحاء العالم، ومن بينها: الهللويا، الآمين، استخدام الشمعدانات والبخور في الاحتفالات، خاصّة أثناء إعلان الإنجيل المقدّس.

 

8. ثمّ التأثير الّذي مارسته المدينة المقدّسة على ليتورجيا الساعات وطريقة تلاوة المزامير (طريقة توزيعها ومحتواها).

 

9. وفيما يتعلّق أخيرًا بطقس العمّاد ومسحة الميرون، فليس هنالك أفضل من مار كيرلُّس الأورشليمي لكي يُحدِّد معالم هذا الطقس، فهو المصدر الرئيسي له.

آمال وتطلعات

 

"إنّ الحياة المسيحيّة لسكان المدينة المقدّسة اليوم، وأيضًا للحجاج المؤمنين وجميع سكّان فلسطين المسيحيين، تتمحور حول تلك الاحتفالات التي تُقام في الأماكن المقدّسة"، لذلك يأمل الأب د. عزيز حلاوة "أن يعمل العالم المسيحي، خاصّة الكاثوليكي، على المحافظة على قدر وكرامة الاحتفالات الليتورجيّة التي يُقيمونها في كنائسهم أينما كانوا، مُعتَبرين إياها منه للقداسة، وأساسًا يبنون عليه جماعتهم الكنسيّة في وحدة متناغمة، لكي يكون حضورهم مؤثِّرًا في مجتمع ينزلق أكثر وأكثر نحو العلمانيّة الإلحاديّة، خاصّة في بلاد الغرب".

 

كما أمل أيضًا "أن تستقبل جميع التقاليد الليتورجيّة، خاصّة ليتورجيّتنا اللاتينيّة الرومانيّة، ذلك الإلهام الخاصّ الذي تغمرُنا به الرموزُ الغنيّة التي تمتلئ بها أنافورا مار يعقوب مع باقي حركات الجسد المعبّرة، وهنا يتوجّه تفكيرنا نحو الصلاة الإفخارستيّة الرابعة، والتي بُنيَت على نمَط هذه الأنافورا الأورشليميّة، حتى تغتني ليتورجيّتنا اللاتينيّة، إلى جانب الرزانة والحصافة sobrieté التي تتميَّز بها، بتلك الرموز والحركات المعبّرة".

 

أمل آخر أورده الأب حلاوة في بحثه ألا وهو "المعرفة المتبادلة التي يجب أن تعُمّ بين مختلف التقاليد الليتورجيّة، والتي يمكن البلوغ إليها في إطار روح مسكونيّة، إذ إنّ الجهل يجعلنا نفقد الكثير الكثير. وهنا نقرأ على أنفسنا ما كتبه بطريرك المدينة المقدّسة في القرن التاسع عشر، لويس بيافي، إبّان المؤتمر الإفخارستيّ الذي انعقَد في القدس سنة 1893، في أوقات يغلب عليها التنافر والانعزال، وذلك فيما يخصّ ليتورجيا مار يعقوب، فيقول: «إنّ جميع الليتورجيّات، سواء الغربيّة أم الشرقيّة، وبما أنّها في جوهرها تعود جميعها إلى ليتورجيا مار يعقوب، فهي جميعها بالتالي وبشكل متساوٍ رسوليّة، تنبع من كنيسة العلّيّة هذه المقدّسة، وهي أمّ جميع الكنائس. فلا مكان للتنافس غير الشريف إذ إنّ جميع الليتورجيّات تحمل في جوهرها نفس القَدْر من الكرامة، لذلك تستوجب من جميع المسيحيّين التعلُّق الغيور بها»".

 

وفي الختام، أمل الأب الدكتور عزيز حلاوة أن يتمّ النظر إلى الكنيسة الأورشليميّة اليوم "على أنّها وارثة لكنيسة الرسل، فتستطيع أن تكون «جسرًا ليتورجيًّا» بين الشرق والغرب، بين الماضي بغناه، ولكن أيضًا بآلامه، والحاضر الصعب وأيضًا المستقبل. هذه في الواقع هي رسالة جميع الكنائس في الشرق، ولكن وبشكل خاصّ الكنيسة اللاتينيّة في الأرض المقدّسة اليوم، والتي هي كنيسة ذات طقس وتقاليد غربيّة ولكنّها تعيش في محيط شرقيّ، حاضرة داخل الأماكن المقدّسة أو بالقرب منها، في قلب المدينة المقدّسة، التي هي مهد ومركز ذلك «التذكار التاريخي» للمسيحيّة بأسرها، المكان الذي فيه، وعِبر الطقوس الليتورجيّة، لا تزال تُخلَّد الحركات والأحداث الخاصّة بالجماعة الكنسيّة الأولى".